إذا شخّص الطبيب مرضك بعد أن كشف هنا وهنا وقال لك أنت مصاب بمرض «ختري» ما بتنفعو العملية.. تأكد أنك مصاب بمرض ذات المرور، ولو عملت لك كل عمليات الدنيا فلن يفيدك ذلك، فقد أصبح المرور معضلة حقيقية لا يجوز الصبر عليها. وليس ذلك بسبب السيارات التي تناسلت وتكاثرت في المصانع الكورية واليابانية والصينية ثم بعثت بفلذات أكبادها لمستقر لها في شوارعنا ولكن بسبب جحافل الباعة المتجولين وقبائل المتسولين الذين يعرضون بضاعتهم أو يسألون حاجاتهم في الساعة زيرو عند وقوف السيارات أمام إشارات المرور. تلك ظاهرة استفحلت خاصة عند نفق بري وعند المسافة بين صينية شارع البلدية وصينية شارع السيد عبد الرحمن وفي تقاطع شارع إفريقيا وشارع الرياض أمام مستشفى الأطباء. إنهم يتجمعون ويهجمون على السيارات حتى إنك لا تكاد ترى إشارة المرور وينتابك هاجس أنك لا بد ولا مندوحة من دهس أحدهم دون أن تدري وخاصة المعاقين الذين يزحفون على ذلك الأسمنت الساخن أو بالليل عند نفق بري أو تقاطع الملتقى ببحري. طبعاً سيقول لك المتنطعون يا أخ حرام تقطع عيشهم أو رزقهم . أي رزق هذا الذي سنقطعه عن شاب يحمل في يديه ثلاثة صناديق لمناديل ورق؟ كم الربح الذي سيجنيه من تصريفه لعشرين صندوقاً لورق لفحته الشمس فتيبس حتى صار كورق الصنفرة؟ أو ذلك الذي يحمل خناجر وسكاكين وكل أنواع الأسلحة البيضاء البريئة التي تسبب الموت فقط ولا تشكل أمراً خطيراً؟ - أذكر أنني كنت ذات يوم عائداً من بورتسودان ومعي أسرتي فتوقفت في محطة خدمة خارج مدينة كسلا لأحصل على بعض البنزين. وبينما أنا واقف وعامل المحطة يعبئ التنك تقدم رجل يحمل خناجر وسكاكين وقال لي: سكين تشتري؟ قلت: لا قال: يا آخ سكين كويس بنفع.. قلت بضيق: يا أخ أنا ما عايز سكين .. اعمل بيها شنو؟ أجاب: عشان لو واحد قل أدبو .. إنت توريه. فتصور. أي واحد يقل أدبو أوريه المكشن بلا بصل يعني مكشن بالسكين. وآخر كان يلح ويضايقني في شارع المك نمر ونحن وقوف في انتظار الإشارة فقلت له يا أخينا من فضلك زح من هنا خلينا نشوف الشارع.. حدجني بنظرة ازدراء وهو يقول: لما أسوي لي عربية زي عربيتك دي بعدين بزح من هنا. يجب أن يكون هناك تعاون بين سلطات إدارة المرور وسلطات النظام العام حتى يزيلوا ذلك الخطر من أمام إشارات المرور ومن منع التسول في تلك الأماكن لأنها تعرقل الحركة وتعطي انطباعاً سيئاً بأننا شعب لا يحسن إدارة أي شيء حتى مكافحة التسول والباعة المتجولين في تلك المناطق الخطرة. ولماذا لا تقوم الرعاية الإجتماعية بدورها في جمع المعاقين والزاحفين من النساء والأطفال والعجزة وتنقلهم لدُور الرعاية. المشكلة أنني أُصبت بفوبيا ووسواس عجيب بأنني لا بد أن أدهس أو أدعس يوماً ما شخصاً من هؤلاء لم أتمكن من رؤيته. أحمونا حماكم الله من ارتكاب جريمة كهذه. ودعونا نتفرغ للتركيز على بلاوى المرور الأخرى. ومن البلاوى الأخرى أنني أخاف من سيارات الإسعاف وهي تصدر تلك الأصوات المزعجة. فأصبت بحالة اكتشفت فيما بعد أنها يمكن أن تعرف بالإسعافوفوبيا. فما إن ينطلق صفير تلك السيارات حتى تصيبني أنواع من «اللخبطة» فلا أعرف هل ذلك الصوت صادر من خلفي أم من أمامي أم من فوقي أم من تحتى... فيصيبني دوار يجعلني وأنا وسط جحافل السيارات وقد اكتظت في «مخنق» المستشفى مع تقاطع شارع المك نمر أرتجف وألتفت يمينًا ويساراً وأنظر في جميع «مرايات» السيارة ولا أدري ماذا أفعل: هل «أتضاير» ناحية اليمين أم اليسار وليس هناك شبر واحد تتضاير عليه. والخوف كل الخوف عندما أتذكر أن سيارات الإسعاف ستأتي طائرة بسرعاتها القصوى لتسعف شخصاً ولكنها ربما تتسبب في موت العشرات. إن القانون يفرض عليك ألا تسد الطريق أمام سيارات الإسعاف... وهذا أمر طبيعي حتى ولو لم يكن هناك قانون أو توجيه يفرض عليك ذلك. ولكن ليس للحوادث توقيت معلوم فيجعلني أتجنب الشوارع في تلك الأوقات. كما إنني لا أعرف الشوارع التي ستسير عليها سيارات الإسعاف. ولذلك تتضافر عوامل عديدة من بينها مكان الحادث وزمن الحادث واتجاه الحادث وما إذا كان الإسعاف رائحاً أم عائداً بحمولته من المسعفين. تتضافر كل تلك العوامل مع وجودك وأنت تقود سيارتك «قدر الله جانا عديل». والإسعاف من حقه أن يسرع وأن يصل إلى مكان الحالة التي تتطلب الإسعاف في أقصر وقت... ولكن برضو مراعاة الآخرين الموجودين في الشارع في ذلك الوقت أمر ضروري. في ذلك النهار كان صوت الإسعاف مرعباً مجلجلاً ينخلع له قلب الشجاع وكان يمرق كالسهم من بين جحافل السيارات وكاد أن يرتطم بعدد منها ومن المارة والباعة المتجولين والمتسولين.. ولكن ربك سلم. ووقفت سيارة الإسعاف أمام قسم الحوادث ونقل المصاب إلى بهو عيادة الحوادث وهو ينزف بعد أن صدمه سائق حافلة. وانطلق الإسعاف محدثاً ذلك الصوت المرعب. وبقي المصاب ومرافقوه ساعتين في انتظار الطبيب المناوب في قسم الحوادث. وليس هناك داعٍ لإكمال بقية القصة ولكن ليس كل من يسعفه الإسعاف ويثير الرعب في الشارع العام من أجله يجد نفس السرعة في العلاج بعد وصوله. وإذا كان الأمر كذلك فتأخير دقيقة أو دقيقتين من سائق الإسعاف وهو لا يعرض أرواح الآخرين للخطر هل تفرق كثيراً. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشترِ ولا تُهدِ هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سنّ الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد..