ذُهِلَت اللجنة الرئاسية المكلَّفة من قبَل رئاسة الجمهورية بقراءة المواقف الميدانية للقيادات والمثقفين والنخب ثم بشكل واسع رأي القاعدة حول عودة ولاية غرب كردفان، ذُهلت اللجنة التي اختتمت أعمالها بالإجماع القيادي والقاعدي المطالب بإنشاء ولاية النهود التي حسمت جماهيرها خياراتها بلاءين هما: «لا للعودة إلى غرب كردفان التي عاصمتها الفولة، ولا للبقاء مع ولاية شمال كردفان وعاصمتها الأبيض»!!. الأمير عبد القادر منعم منصور فسَّر هذا الموقف بحديث مفعم بالمعاني والدلالات التي لا تصدر إلا عن الكبار، حيث قال: إن أشواق جماهير المنطقة هي ليست خصماً على أشقائهم المسيرية الذين بدورهم يستحقون عودة ولايتهم لهم اليوم قبل الغد، كما أن الأمر والحديث «لمنصور» ليس خصماً على الأهل في ولاية شمال كردفان التي هي الأصل، وأن ولاية النهود حال قيامها ستكون أكبر دعامة لولاية شمال كردفان نسبة للتداخل القبلي والاجتماعي والتلاقح الثقافي الموحد للوجدان الكردفاني، انتهى حديث الأمير!!. بصرف النظر عن التصنيفات المواقفية قبل شروع اللجنة في عملها فإن الثابت الذي خرجت به اللجنة والأكيد هو رغبة الأغلبية الساحقة من القواعد والنخب والمثقفين وقيادات النظام الأهلي، رغبة هؤلاء مجتمعين في أن تكون ولاية في النهود في مشهد إجماع لم تشهده المنطقة منذ عشرات السنين، طلب الولاية كان شعارًا عامًا حتى تؤدي أو تصبح آلية للتغيير المنشود الذي يُفضي إلى الحقوق الأساسية في التنمية والخدمات والمشاركة السياسية!!. إن التكلس السياسي وضعف التنمية رغم الاجتهادات هنا وهنا قد ظل سمة للمنطقة وهو الذي أوجد هذا التحرك المتناغم والمرتب والاتفاق على أن التغيير مهما كان شكله يجب أن يكون في إطار وحدة المنطقة الجغرافية اجتماعياً وثقافياً.. من خلال الذي شاهدناه انكشف أن الفرضيات والأحكام المسبقة في المواقف باتت أمراً مرفوضاً.. ولاية النهود إذا قُدِّر لها القيام ستكون تغييرًا إيجابيًا يعبِّر عن إرادة جماعية توافقية للنسيج الاجتماعي المنسجم الذي يضم أكثر من «35» قبيلة بخلاف الحمر يعيشون في هذه المنطقة يفلحون فيها ويرعون في سهولها وبواديها ويتاجرون في أسواقها، إن كان ثمة خوف من أن يُسرق هذا الإجماع ويجيَّر لصالح بعض السياسيين الذين يرون في مثل هذه المواقف والمناسبات سوقاً للتكسب والخروج منه بأكبر ربح!!. ميلاد ولاية النهود يخلق مساحة للتطوّر ويقصر الظل الإداري ويريح المنطقة من عبء ثقيل وهو الصرف على الفصل الأول للهيكل المترهل لولاية شمال كردفان، وهي الولاية الشاسعة مترامية الأطراف وشحيحة الموارد لا سيما الأجزاء الصحراوية. منطقة النهود تضم نسيجًا اجتماعيًا متفردًا لا يعرف الجهوية ولا الأقليات وهذا شرط لازم في توفر الأمن الذي لا يمكن أن يتم في ظل مجتمع مفكك أو منقسم الإرادة والهوية.. على أية حال فإن الحراك والجدل الإيجابي الذي شهدته غبيش ونادي السلام بالنهود ثم الخوي وما ظهر فيه من مواقف يجب تقييمه وتحليله بصورة تضع حلولاً جذرية لمعضلات التنمية واختلالات التمثيل السياسي والإداري لأهل وسكان المنطقة. ذلك الواقع يتطلب أن تقدِّم الأجهزة المختصة تقييمًا يطرح بدائل التنمية والعدالة كمفهوم يتواثق عليه الجميع ومحاربة كل أوجه التطرّف في المناداة بالتنمية على قرار الحديث عن التهميش وغيره من دعاوى. ميلاد ولاية في النهود يعني الاستفادة من ربوع المنطقة كافة الاجتماعية والاقتصادية وفتح المجال للمنطقة لمساهمة أكبر في كل المحافل الوطنية!!. هذه المنطقة الجغرافية شهدت تحوّلات كبيرة جديرة بالمراجعة على مستوى المجتمع ومفاهيمه، ثم قراءة وتحليل اتجاهات الأحداث ببُعد نظر مستقبلي وأن ما رصدته اللجنة المنبثقة عن لجنة حاتم الوسيلة والمعنية بالشق الغربي لشمال كردفان يصبح عناصر أولية للمقارنة بالمواقف، ومن حيث المبدأ أكدت حقيقة ربما كانت غائبة عن الكثيرين بمن فيهم أعضاء اللجنة أنفسهم، اللجنة التي ضمت د. أم بلي ود. إبراهيم بن عوف وعلي جرقندي والخبير الإداري علي جماع، كانت معنية بالمحليات الست غرب شمال كردفان وقد كانت محايدة تماماً من حيث تكوينها، إذ أن واحدًا فقط ينتمي لجغرافية المنطقة وهو علي جرقندي، بينما ذهب د. عوض الكرسني وحاتم الوسيلة وبقية أعضاء اللجنة إلى الشق الغربي لجنوب كردفان، وأحسب أنهم قد رصدوا ملاحظات بالجملة لا سيما الحديث الكثيف حول عاصمة الولاية والجدل بشأن محلية لقاوة وهو الأمر الذي أبرز اتجاهًا قويًا في المركز والولاية يفضي لضم محلية القور بجنوب كردفان إلى خريطة غرب كردفان القادمة بعد خروج محليات «النهود أبو زبد الخوي ود بندا غبيش الأضية» من خارطتها!!. معالجة موضوع غرب كردفان يتطلب من القيادة في المركز أخذ الأسباب وكل المحاذير حول كردفان الكبرى لا سيما جنوب كردفان الملتهبة حالياً.. لا بد من وجود معادلة تقطع الطريق أمام الساعين للفتنة وسحب البساط من تحت أرجل عبد العزيز الحلو ومجموعته، الآن الحكومة بيدها «كروت رابحة» عليها استغلالها والضغط لإنهاء المتاجرة بقضية جبال النوبة، يجب الاستماع برويّة للعقلانيين من أبناء جنوب كردفان غير المعقدين نفسياً وليست لديهم هواجس أمثال مكي بلايل وغيره واستثمار مواقفهم في إطار الرؤية الشاملة للحل.. بالعودة إلى ما بدأناه نقول: إن قيام ولاية أو ولايتين أو ثلاث في كردفان إضافة حقيقية وليس خصماً، والأفضل للحكومة أن تعمل لإرضاء الجماهير بالتوسع في الأطراف، وأن تكون حكومة المركز رشيقة وخفيفة وأن تذهب الكوادر للعمل في الولايات وخدمة إنسانها!!.