غابت ولاية غرب كردفان، أو بالأحرى غُيِّبت عن المشهد لمصلحة السلام في لحظة تاريخية من عمر البلاد.. غابت هذه الولاية كخريطة جغرافية وسياسية عن مخطط البلاد الفدرالي، لكنها ظلت حاضرة السيرة والذكرى، فلم تغِب ولم يصمت أهلها «الموجوعون» بفقدها رغم إظهارهم وجه الرضا والقبول.. قد أشيع خبر تذويبها والوفد الحكومي المفاوض وقتها في كينيا لم تحط طائرته مطار الخرطوم، ومنذ تلك اللحظة وتسريب الخبر أصبحت اللعنة تلاحق أبناء غرب كردفان الذين كانوا ضمن الوفد وذابت الولاية على رؤوسهم.. رضي أهل غرب كردفان مكرهين بقبول القرار والخيار لمصلحة الوطن وقد تعلقت آمالهم بالوعد الذي قُطع إليهم، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت كل غضبة أو احتجاج في دار المسيرية تجد على رأس المطالب غرب كردفان، وصار كل لقاء جماهيري في النهود أو زيارة لمسؤول تجد على رأس المطالب غرب كردفان رغم أن أهل النهود يطالبون بعودة الحق المسلوب منفصلاً.. «ولاية النهود»!!.. هذه الأيام تصاعدت نبرة المطالبة بعودة الولاية بشكلٍ لافت، واللجان تجتمع وتنفض، وأصبح الأمر حديث المجالس الرسمية والشعبية.. قيادة الدولة ممثلة في رئاسة الجمهورية لم تغفل هذه النداءات والمطالبات فقد تم تكوين لجنة محايدة لدراسة هذا الأمر ورفع تقرير خلال مدة لا تتجاوز الستة أشهر حسب علمي وقد أُسندت رئاسة اللجنة إلى اللواء حقوقي حاتم الوسيلة وعضوية البروفيسور عوض السيد الكرسني وعلي جرقندي والمحامي دلدوم الختيم وآخرين، وشرعت في جمع البيانات.. واقع الحال يقول إن غرب كردفان ذوبت بنهج وأسلوب معلوم للجميع لكن قرار عودتها يبدو أن المركز لا يريد أن يستخدم فيه ذات الأسلوب (الترغيب والترهيب) وبذلك عمد إلى أن تطرح اللجنة عبر تقريرها رؤية واضحة تسهل فك الاشتباك ما بين أن ترجع الولاية بشكلها القديم أو شطرها إلى ولايتين.. كل القراءات والتحليلات وتوسيع دائرة الشورى بشأن الموضوع تكشف حقيقة أن المركز مهيأ لإنشاء ولايتين للضرورات السياسية الأجنبية المعلومة، ومنذ وقتٍ ليست بالقصير أظهرت محليات (الخوي، أبو زيد، النهود، ود بندة، غبيش والأضية) هذه المحليات الست أظهرت تململاً واضحًا من شمال كردفان وطالبت بشكل صريح منحها ولاية منفصلة وطرحت دفوعاتها ومبرراتها لذلك.. هذه المحليات ال «6» أظهرت زهداً في العودة إلى غرب كردفان لأسباب تتعلق بمصلحة المواطن السياسية والاقتصادية دون غيرها ولا يوجد أي تفسير آخر سوى هذا حتى لا يذهب أصحاب الغرض والمرض بالموضوع في اتجاه التجافي بين مكونات غرب كردفان الاجتماعية، فسكان غرب كردفان بشتى قبائلهم يلتقون عند أواصر اجتماعية عميقة ولم تنشأ بينهم أصلاً خلافات.. تكوين رئاسة الجمهورية لجنة (حاتم الوسيلة) أحسب أنها خطوة موفَّقة وموضوعية وشفافة وفيها اتباع للمؤسسية في اتخاذ القرار بقدرٍ يتيح الطمأنينة للمواطن؛ لأن القرار المتوقع صدوره سيصدر بناءً على تقرير لجنة محايدة وهي معنية بشكلٍ أساسي بمعرفة رأي القواعد والمثقفين والنخب، وكذلك رجالات النظام الأهلي ونواب البرلمان، ودراسة الرأي تشمل سكان الأرض الجغرافية التي كانت تمثلها غرب كردفان بشكلها القديم.. أعضاء اللجنة فيهم قدر من الاستقلالية في الرأي والمهنية ولم نسمع حتى الآن «صوت نشاز» يقدح في عضوية أعضاء اللجنة الموقرة. خارطة عمل هذه اللجنة وآلياتها في جمع واستقصاء المعلومة تمثل خط الدفاع الأول للكل، ومنذ سماع نبأ تكوين هذه اللجنة فقد شهدت منطقة غرب شمال كردفان حالة تعبئة واسعة، لكن المؤسف صوت النواب خافت، ولم نسمع أو نقرأ بياناً باسم نواب تلك المحليات يوضح رأيهم حول الموضوع عدا بعض الأصوات في مجالس المناسبات والأتراح، رغم أنهم منتخبون من شعب تلك المناطق وهم الذين يوجّهون الرأي العام بل يشكِّلونه في كثير من الأوقات.. نعم هناك أشخاص يُحسَبون على أصابع اليد يحاولون دفع الأمور في اتجاه عودة غرب كردفان بشكلها القديم لأسباب يدركونها هم، بيد أن الأغلبية مع غرب كردفان في ولايتين وليس ولاية واحدة.. الحالمون بولاية النهود أقول لهم «أن تأتيكم ولاية كاملة تجرجر ثيابها دون عرق جبين وحراك هذا ربما يبدو ضربًا من الخيال الممتع أو الغباء الفاضح»، قد يقول (المستريح) إن الخريطة وكل الشروط مكتملة المساحة الجغرافية والسكان والموارد وبقية الاشتراطات التي تؤهل المنطقة لقيام ولاية مع كل ذلك أقول معذرة هل الإرادة متوفرة؟!.. فتوفر الإرادة يعني شيء مهم هو المقدرة على الفعل وتحمل المسؤولية وتبعات كل ما يصدر أو يترتب على الموضوع «كاملة غير منقوصة» ولو أدى ذلك إلى المجازفة!!.. هنا من يشجع على التعاطي مع الموضوع بقوة ثائرة وهو لا يعمل وليس على استعداد لاتباع المنهج والأسلوب الذي يدعو له خسارة كبيرة لكن!! الشق الجنوبي لغرب كردفان التابع لجنوب كردفان لم أركز عليه؛ لأن أمره شبه محسوم بالتزامات مسبقة سواء أكانت من المركز أم مولانا أحمد هارون، فقد قطع أثناء حملته الانتخابية بعودة الولاية وكانت البند رقم واحد تقريباً في برنامجه الانتخابي وخطابه السياسي لأهالي القطاع الغربي بجنوب كردفان.. كما أن تداعيات الاعتداء على هجليج ومواقف سكان تلك المنطقة قد أضافت خيارات جديدة وهي أكثر قوة وبمثابة الشرط لازم التنفيذ من قبَل الحكومة، فقد تبقى عامل الزمن فقط!!.. وجنوب كردفان يلزمها إنشاء ثلاث ولايات هي «جنوب كردفان، وشرق كردفان، وغرب كردفان».. وعلى المخطط والمشروع السياسي أن ينظر للفكرة التي سبق أن طرحتها منابر سياسية وإعلامية!!..