لماذا أسبوع المرور العربي؟ هل سمعتم يوماً بأسبوع المرور الأوربي؟ أو المرور الأمريكي؟ مع أن سياراتهم أكثر من سياراتنا.. الواقع يقول إن السيارة ليست من ثقافتنا أو تراثنا بل شيء وفد علينا مثل غيرها من المخترعات الوافدة ولهذا لكي ننظم حياتنا وفقاً لمتطلباتها كان لا بد من توعية بمتطلبات ذلك الوافد الذي يتطلب طرقاً وشوارع مخططة وفوق ذلك كله سلوكاً واعياً يجعل ذلك الوافد يعمل لخيرنا ولا يعمل لقتلنا. واستغرب وأنا أقرأ من وقت لآخر مقتل وإصابة العشرات في شارع مدني أو شارع التحدي أو شارع القطينة كوستي. لقد أصبحت تلك الإحصائيات اليومية مثل إحصائيات القتلى في العراق بفعل القنابل المتفجرة أو سوريا بفعل القصف المستمر من قبل قوات النظام السورى على المواطنين. هل نحن في حالة حرب مرورية غير معلنة ولا ندري؟ نعم انتهت فعاليات اسبوع المرور العربي بعد اسبوع كان حافلاً بالمنتديات والندوات التي لم تقصر إدارة المرور في إقامتها. وانهمرت كثير من الآراء والمقترحات التي تصب في خانة تقليل مخاطر الطرق وخلق بيئة مرورية سليمة. ونحن في انتظار اسبوع المرور العربي القادم أقترح أن نقارن عدد الحوادث المرورية بين الأسبوع هذا العام والأسبوع الذي مضى والأسبوع القادم . هل استطعنا أن نقلل عدد الحوادث بعد كل اسبوع نقيمه؟ أم هي احتفالية تنتهي بمراسم انتهاء آخر كلمة تقال عند نهاية الأسبوع؟ عدنا وستعود حليمة إلى حالتها القديمة. ستعود حليمة لتقيم عدد من المواقف العشوائية أو العشماوية كما قال لي أحدهم «نحنا ساكنين في السكن العشماوي القريب من هنا»، كما أقامت موقفاً في مدخل كبري كوبر أو القوات المسلحة من ناحية تقاطع شارع عبيد ختم بل داخل الكبري. ولم أعرف في جميع أنحاء العالم موقفاً للحافلات أو الهايصات داخل الكباري. وذلك الموقف العظيم جلب إليه باعة الطبالي وستات الشاي وأصحاب الماء البارد والطعمية والبيض وماسحي الأحذية ليشهدوا منافع لهم ولكن لا منافع للشارع ولا لحركة المرور. أكتب هذا الكلام وقد كتبته من قبل وأنا مدرك أنه لن يحرك في سلطات المرور ساكناً. سيظل الموقف موجوداً طالما أن حليمة التي تعشعش في إرادتنا ستعود حتماً لعاداتها القديمة فتغض الطرف عن الركشات بالتفسح في شارع عبيد ختم وشارع النفيدي «الستين سابقاً» وشارع المطار وأي مكان عليه علامة «ممنوع مرور الركشات» بل تغض الطرف عنها وقد ابتدع سائقوها علب صلصة يركبونها في عوادم ركشاتهم فتأتي بتلوث ضوضائي لم يخطر على بال الناشطين في مجال البيئة في أية بقعة من بقاع العالم. وستعود حليمة وشعارها ليس بالإمكان أبدع مما كان. ونعود لنحلل المشهد المروري لنقول إن الشيء الذي يدعو للنرفزة وغليان الدم وارتفاع الضغط والسكر في المدن هي حركة المرور. لا شيء ينرفز الإنسان مثل لحظات الانتظار وحبل المرور يتلوى ويتمطى ويتثاءب وأنت في نهار حار تتصبب عرقاً أمام المخانق المرورية مثل الكباري جملة وتفصيلاً. لقد اختنقت العاصمة القومية ولم يعد فيها مكان للستك أو عجل وهذا أدى الى توتر العلاقات بين الذين يستخدمون تلك الطرق وأدى التزاحم عليها الى أن يصبح الناس أقل احتمالاً وصبراً على سلوكيات بعضهم ... وبعض الناس يصل بهم التوتر الى قمته بعد أن يجلسوا خلف عجلة القيادة حتى إنك لو ربطت جهازاً لقياس ضغط الدم لديهم لأعطى قراءات عالية. والسبب هو أن الإنسان وبطبعه الاستحواذي لا يعتبر أن له حقاً في الطريق مثله مثل بقية البشر ولكنه يعتبر أن الطريق حق من حقوقه الخاصة وملك من أملاكه وأن الآخرين هم عبارة عن متغولين على ذلك الحق ولذلك يتوتر جداً إذا سبقه أحدهم بسيارته ومرق بجانبه كالسهم فيكيل السباب والشتائم لأمثال هؤلاء السائقين ... كان الفنان الراحل عبد العزيز محمد داود يقود سيارته في شارع البرلمان عندما وجد رجلاً متحكراً في وسط الشارع وقد أوقف سيارته بطريقة لا تسمح بمرور نملة ناهيك عن الفنان أبوداود وسيارته الأمريكية الضخمة.. نزل أبو داود من السيارة وتقدم نحو الرجل مصافحاً ومهنئاً وهو يقول: والله يأخي عجبنا ليك جداً ودلوقت أنا جاي عشان أبارك ليك. وارتبك الرجل ولم يفهم ماذا يقصد أبوداود بكلامه ذلك فأوضح له أبوداود: سمعنا كلنا والبلد كلها بتتكلم قالوا سجلوا ليك شارع البرلمان دا. فقال الرجل: يا أخي دي إشاعة مافي زول سجل لي الشارع فقال أبوداود: طيب لما مافي زول سجل ليك الشارع واقف كدا ليه؟ إن سلوك الاستحواذ سلوك غريزي ولكن الإنسان مطالب بأن يهذبه بالتعليم والوعي والواعز الديني الذي يفرض أن يعامل الآخرين بمثل ما يود أن يعاملوه به. وقد دلت الدراسات أن شعور الاستحواذ على الطريق ناتج من الشعور بحيازة المجال والدفاع عنه فالمعروف أن الحيوانات تقتطع أجزاء من المكان وتعتبرها ملكاً خاصاً لها وتدافع عنها بشراسة وبالنسبة للإنسان فإن إحساسه بالمكان والزمان يتعمق أكثر عندما يقود سيارة، لأن السيارة هي في الواقع مجال متحرك وهي في تحركها ذلك تخلق حولها مساحات متحركة يثور الإنسان جداً إذا اقتحم أي شخص تلك المساحات المتحركة. وبما أن الطريق يستخدمه بعض الناس بأرجلهم دون أن يستخدموا سيارات فإن هناك حرباً وكراهية غير معلنة بين الذين يقودون سيارات وبين الذين يسيرون على أرجلهم أو المشاة.. فمثلاً الذي يسير على رجليه يتضايق جداً من أصحاب السيارات ويعتبرهم مسرعين دون وجه حق... وهل الدنيا طارت.. وذلك لأن الذي يقود سيارة يكون قد دخل دون أن يدري في مجال الذي يسير برجليه زمانياً ومكانياً. وفي المقابل نجد أن الذين يقودون سيارات يتضايقون من وجود المارة ويعتبرونهم مبطئين ومعطلين للحركة دون وجه حق.. وخاصة وقد دخلت ركوبات متسكعة مثل الركشة والكارو وبالطبع فإن الموضوع من جميع جوانبه نسبي. كما أن الذين يقودون السيارات يتضايقون من الذين يقودون سياراتهم بسرعة أبطأ منهم ويعتبرونهم سبب ارتفاع حوادث المرور وهكذا يغلي الدم في عروقهم فى كل الحالات... وخاصة إذا حاول أحدهم أن يسبقهم ويفوتهم. ولا أرى وسيلة أخرى لمعالجة هذا التوتر سوى التوعية المستمرة وتربية روح المجاملة والدعوة الى تحمل الآخرين والصبر عليهم في الطرق وأن يدرك الإنسان أنه مهما أسرع فلن يكسب إلا دقائق معدودة وأن تلك الدقائق المعدودة التي جعلته يتخطى الآخرين ويتخطى الإشارة الحمراء ربما تكون هي الفاصل بين الموت والحياة بالنسبة له وبالنسبة للآخرين .. وعليه فليس هناك داع للتوتر وإرهاق الأعصاب.. دون مبرر. هذه هي قضية المرور ولكن ماذا نفعل مع حليمة المزروعة في داخلنا وتجعلنا نعتقد أن الحوادث المرورية والموت تحدث للآخرين ولا تحدث لنا. ولذلك عندما نرى حادثاً مرورياً وقد تناثرت أشلاء البشر.. لا نملك إلا أن نقف قليلاً لنقول.. - لا حول ولا قوة إلا بالله... شوف بالله الناس ماتوا كيف!!! ثم ننطلق بسيارتنا بسرعة «150» لا نلوي على شيء. ويا ستنا حليمة.. فارقيهو دربي.