انعقد مؤخراً بضاحية العيلفون مؤتمر هيئة شورى الحركة الإسلامية وسط تعتيم إعلامي ولكن مع ذلك تسربت معلومات كثيرة عن ما دار فيه واختتم الاجتماع بإصدار بيان ختامى. والملاحظ أن الحركة الإسلامية عقدت في تاريخها المعاصر عدة اجتماعات سرية بضاحية العيلفون وأشهرها الاجتماع التاريخي الذي عقد في عام 1963 إبان الحكم العسكري النوفمبري. وسبق انعقاد هيئة الشورى الأخير طرح مذكرات في الأشهر الأخيرة وصفها من يقفون خلفها بأنها إصلاحية ووصفت إحداها بأنها ألفية، وتارة كان يشاع أن تلك المذكرات ستُرفع إلى قيادة الحركة ومرة يقال إنها ستُرفع لقيادة الحزب وقد رُفعت لكليهما ونُشرت على الملأ وصحب ذلك سؤال عن دور الحركة الإسلامية وعلاقتها بالحزب الحاكم وعلاقتها بالحكومة وهل هي وصية عليهما أم هي جزء أصيل مكمل لهما. وفي الماضى عندما كان العدد محصوراً ومحدوداً كان التركيز منصباً على الجوانب التربوية والدعوية مع الاهتمام بنظام الأسر وفيه تقوية للروابط الاجتماعية والروحية وترقية السلوك، ومن الواضح أن الاهتمام بهذه الجوانب قد اضمحل وأهملت بالتدريج منذ أن قامت الدولة حتى كادت تصبح من ذكريات الماضي وصفحاته المطوية وإرثه العظيم المهمل وانصب الاهتمام أكثر على الجوانب السياسية والتنظيمية والتعبوية وقد أُوليت مكاتب المعلومات الأمنية داخل التنظيم اهتماماً أكبر من الاهتمام بالدعوة والجوانب التربوية والفكرية والتأصيلية التي كادت تصبح «تمومة جرتق» وواجهات للزينة والمباهاة. وإن المبادرات في هذا الشأن الهام يقوم بها الرساليون بصفاتهم الشخصية ومبادراتهم واجتهاداتهم الذاتية أما على المستوى المؤسسي فإن الحصاد ضئيل والزاد قليل. لقد فامت حركة التحرير الإسلامي في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي ثم أعلن في أوائل الخمسينيات أن الاسم هو تنظيم الإخوان المسلمين. وبعد قيام ثورة أكتوبر في عام1964 أعلن قيام جبهة الميثاق الإسلامي التي كانت تضم الإخوان المسلمين وأنصار السنة وعدد من شيوخ الطرق الصوفية ولكن ظل تنظيم الإخوان المسلمين قائماً. ومرت سنوات عهد مايو بكل تداعياتها من معارضة وعمل سري ومعتقلات وهجرة ومعسكرات ومواجهات وأعقبتها فترة المهادنة والتأييد بطريقة «تمسكن حتى تتمكن». وبعد انتفاضة رجب أبريل عام 1985 كونت الجبهة الإسلامية القومية كوعاء واسع وظل التنظيم قائماً بعضويته الملتزمة. وبعد مجيء عهد الإنقاذ أعلن حل كافة الأحزاب بما فيها الجبهة الإسلامية القومية وبعد فترة قيل إن عراب الإنقاذ السابق ومرشدها وقتئذ قد اجتمع بعدد من شيوخ الحركة الإسلامية في إحدى الليالى وقدم لكل منهم مصحفاً في نهاية الجلسة وهي في تقديري أعظم وأقيم هدية واعتبروا أن في هذا تلميحًا دون تصريح بأن دورهم كمجموعة قد انتهى وإن أي تكاليف لأي واحد منهم إذا اقتضت الضرورة تتم على أساس شخصي وحسب البعض أن إبعادهم أو تهميشهم يعني حل التنظيم ولكن التنظيم ظل قائماً منذ البدايات الأولى للثورة وأضحى في قمة عنفوانه وكان شيخهم يمسك الرسن وحوله كوكبة من الشباب الذين انتقاهم وكانوا هم أقرب المقربين إليه وأهل نجواه وكانوا نجوم العشرية الأولى والمتنفذين فيها وبعد المفاصلة أصبحوا أبعد الأبعديين منه وصاروا في العشرية الثانية والسنوات التي تلتها هم المتنفذين أصحاب الكلمة العليا وأساطين النظام. وخلاصة القول إن التنظيم لم يحل وظل قائماً ومنذ أيام الإنقاذ الأولى تشهد عمارة الفيحاء والطابق الخامس ببنك الشمال وغيرهما من الأماكن والمخابئ ما كان يدور من عمل سري وتنظيمي داعم للنظام منذ أن كان غضاً طرياً في المهد. ومنذ فجر الإنقاذ انخرط المنتمون للتنظيم في النظام الحاكم بأوامر تنظيمية وأمسكوا بالخيوط على كافة المستويات القاعدية والوسيطة والاتحادية وقامت اللجان الشعبية على المستوى القاعدي بدور خدمي وتعبوي سياسي وقامت منظمات شبابية وطلابية وفئوية بمسميات كثيرة وكلها وجلها تعمل في مجال «الأمن الشعبي» لتأمين النظام وتثبيت أركانه. وأقيم المؤتمر الوطني قبل وبعد تسجيله كحزب ليكون وعاءً شاملاً وكان بمثابة السور الكبير وبداخله يوجد «البيت الخاص» المتميز الذي يمثله «التنظيم» وإن المنخرطين فيه هم المنتسبون للحركة الإسلامية، والملاحظ أن الحزب قد تخلى عن صفته الإسلامية ولم يضفها لاسمه وعلل قادته ذلك بأنه وعاء يضم المسلمين وغيرهم، أما الحركة الإسلامية أو قل التنظيم فهو بالنسبة للحزب بمثابة الروح للجسد وعلى سبيل المثال فإن الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت فى عام 2010 كانت أي دائرة جغرافية اتحادية أو ولائية تديرها وتشرف عليها الدائرة الضيقة التى تمثل التنظيم وتوجه قواعد الحزب وتستقطب غيرهم وتم ترشيح بعض المؤلفة قلوبهم حديثي العهد بالحزب وفازوا ونالوا عشرات الآلاف وربما ابتهج واحتفل بعضهم في زهو وخيلاء ولكن «الخيل تجقلب والشكر لحماد» وقد رشحوا باسم الحزب وقام التنظيم بإدارة المعركة وسلمهم النتائج جاهزة ومن هنا يتضح ان التنظيم «الحركة الإسلامية» والحزب «المؤتمر الوطنى» هما جسم واحد متكامل وإن التنظيم هو العمود الفقرى والدينمو المحرك للحزب ولكن إذا حدث بينهما انفصام فإن الحزب هو الخاسر ويكون قد أنهى نفسه بنفسه وانتحر سياسياً ومن هنا يتضح أن الضجة المثارة عن العلاقة املتها حظوظ النفس وتوازن القوى والشد والجذب والحرب الباردة بين بعض قياداته، والغريب أن بعض المراقبين قد اختزل كل القضية وحسب أنها حُسمت عند إعلان إنهاء دورة الأمين العام باعتبارها الثانية والنهائية ولا ندرى هل سينطبق هذا على الحزب والدولة أم سيقتصر على الحركة الإسلامية وحدها.. وإن انتخاب الأمين العام القادم ربما تسبقه معركة حامية وقد يسعى البعض لئلا يعتلي هذا الموقع مفكر مرموق صاحب رأى وإرادة ويعرف متى يهادن ويكون مرناً ومتى يصادم ويكون مقاتلاً وربما يخشون في هذه الحالة ظهور ثنائية قطبية بالقيادة وقد يفضلون أحد الصامتين من أهل الباطنية الذين مرنوا على العمل التنظيمي والسري ليتكامل ذلك مع المكون العسكري للنظام وفي كل الأحوال فإن مآلات الغد تحتاج إلى قراءة متأنية. وإن السودان لكل السودانيين وهناك مكونات وأطراف أخرى لا يمكن إغفالها.