بدأت تجربة أول بنك إسلامي في السودان عام «1978م» وكان رائد البنوك الإسلامية هو بنك فيصل الإسلامي السوداني.. والذي بدأ نشاطه الفعلي في نهايات عام «1978» وبدايات عام «1979». ولم يكن للفكرة هدف سوى محاربة الربا في معاملات الأفراد وفي المعاملات الرسمية للدولة.. وكان هذا قبل بداية تطبيق قوانين الشريعة في عام «1983م». أي أن السودان ظل يحارب الربا لمدة تزيد على أو قل لا تقل عن 34 عاماً وهي مدة تزيد على عمر النبوة بمرة ونصف المرة. واليوم وبعد كل هذه الفسحة المديدة من الوقت وبعد ترقي الالتزام الشرعي من عهد نميري إلى عهد سوار الذهب إلى عصر الأحزاب التقليدية إلى عصر الإنقاذ الذي فاق الجميع من ادعاء الالتزام بكامل الشريعة الإسلامية عقيدة وعبادة وسياسة واقتصاد.. بعد كل هذه المدة تأتي الهيئة العليا للرقابة الشرعية على الجهاز المصرفي والمؤسسات المالية لتصدر فتوى تبيح بها ربا الدولة!! إن أول ما يقدح في هذه الفتوى هو أنها تعلن فشل الحقبة الإسلامية بكاملها.. وتعلن فشل الإسلاميين في تحقيق قيمة شرعية كلية وأصل من الأصول الراسخة في منهج الإسلام في الحكم وفي الحياة .. وهي قيمة وأصل لا يمكن أن يقال عن المجتمع إنه مجتمع إسلامي وعن نظام الحكم أنه إسلامي وإن غياب هذه القيمة الشرعية والتفريط في هذا الأصل يقدح في إسلامية الدولة وإسلامية المجتمع. أنه لمن المؤسف حقاً أن الفتوى جاءت بمجهودات سودانية خالصة وتحت عباءات مؤسسات سودانية معتبرة ومحترمة وهذ زيادة على الهيئة العليا للرقابة الشرعية آنفة الذكر تتمثل في هيئة علماء السودان ومجمع الفقه الإسلامي، والمجلس الوطني ومنتدى النهضة والتواصل الحضاري.. وجاءت الفتوى تحت عنوان «فتوى بشأن تمويل مشروعات دولة السودان بالقروض». وبعد مقدمة طويلة منها مثلاً: ونظرًا لما يواجه السودان من التحديات الداخلية والخارجية من حروب وحصار واستحقاقات اتفاقيات السلام مما أثر سلباً على موارد السودان المالية ومشروعاته التنموية وبناه التحتية.. ونظرًا للحاجة للموارد المالية لمشروعاته واحتياجاتها الأساسية وعدم كفاية تمويلها من الداخل وأغلب مصادر التمويل الخارجي لا تتم إلا بالفائدة. ثم تستطرد الفتوى: «وبعد النظر والدراسة والمناقشة انتهى الموقعون على هذه الفتوى إلى ما يأتي: أولاً: إن الاقتراض بالربا من الكبائر الموبقات بنصوص الآيات والأحاديث الصريحة الواضحة في تحريمه فلا يجوز للفرد ولا للدولة الاقتراض بالربا «الفائدة» قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا...» البقرة «278 279» وقال تعالى :«يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ...» آل عمران 130 وأخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء» وغير ذلك من النصوص المعلومة. ثم تقول الفتوى: ثانياً: إن الدولة إذا وقعت في ضرورة أو حاجة عامة تنزل منزلة الضرورة فإنه يجوز لها الاقتراض الخارجي بالفائدة بالشروط الآتية: 1/ استنفاد كل الوسائل في الحصول على مصادر تمويل مقبولة شرعًا من داخل السودان أو خارجه. 2/ أن تقدر هذه الضرورة بقدرها زماناً ومكاناً وكماً وكيفاً دون تعد أو زيادة في كل حالة على حدة. 3/ أن يكون محل التمويل مشروعات تنمية تلبي حاجات أساسية للدولة مثل تمويل مشروعات البنى التحتية الضرورية والخدمات الأساسية وكذا تحويل المهمات الدفاعية. 4/ أن يترب على عدم التمويل الإضرار بالدولة أو الشعب إضراراً حقيقياً وليس متوهماً. 5/ ألا يترتب على هذه القروض ضرر مساو للضرر الأصلي أو أكبر منه. 6/ أن يناط تقدير الضرورة وتحقيق الشروط الخاصة بها بجهة تضم أهل العلم الشرعي والخبرة والاختصاص المالي والاقتصادي يفوضها ولي الأمر. وتستطرد الفتوى فتورد ما استندت إليه من نصوص في تحليل ربا الدولة بشروطها التي ذكرتها فتقول: وذلك كله استناداً إلى قول الله تعالى: «وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه» الأنعام 119 وقوله تعالى «فمن أضطر غير باغٍ ولا عاد فلا إثم عليه» البقرة 273 وقوله تعالى «وما جعل عليكم في الدين من حرج» الحج «78» وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار» وإعمالاً للقواعد الفقهية الآتية: 1/ المشقة تجلب التيسير 2/ الضرر يُزال 3/ الضرورات تبيح المحظورات 4/ الضرورة تقدر بقدرها 5/ الضرر لا يزال بالضرر 6/ الحاجي الكلي ينزل منزلة الضرورة.