تجاوباً مع ما يدور من حديث ونقاش هذه الأيام عن تطوير مناهج اللغة الإنجليزية لمرحلة التعليم العام، أود أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع . وعند تأسيس المركز القومي للمنهج كنت أحد المؤسسين له بقيادة مديره العالم الجليل الأستاذ سلمان علي سلمان عليه رحمة الله، فقد وضع لبنة قوية نأمل ألا تهتز بعد وفاته. وقد عملت رئيساً لشعبة اللغة الإنجليزية وتشرفت بأن أكون أحد الذين قاموا بتأليف منهج spine الذي ساهمتْ في تأليفه أيضا نخبة من الكفاءات ذات الدراية والخبرة والتأهيل الأكاديمي في اللغة الإنجليزية ومناهجها. وممَا يؤسف له أن spine تعرض إلى نقد غير مدروس وتمَ سلخه وتجريده من أية ميزة ممَا يدل على أن منتقديه لا تتعدي معرفتهم به غلافه الخارجي ولم يلموا بمحتواه. ولذلك كان ممن الخطأ أن نصف كل المنهج بالسوء، ناسين قول شكسبير: (nothing is totally bad and nothing is totally good except the Devil and God) والعبارة مفهومة وتعني أن spine لا يمكن أن يكون كله سيئاً ولا كله حسناً، فالمركز القومي ومنذ تأسيسه درج على القيام بجولات ميدانية لكل الولايات يلتقي فيها المختصون بالموجهين والمعلمين الذين يقومون بتدريس المنهج، وقد كانت هناك إشادة بالمنهج من المعلمين الذين يمارسون تدريسه عملياً. وتقارير التغذية الراجعة من تلك الجولات موجودة بمركز المناهج لمن يريد أن يطلع عليها. ومن الخطأ أن نفرد تدني مستوى اللغة الإنجليزية للمنهج وحده، فالمنهج ما هو إلا عامل واحد من عدة عوامل تساعد على نجاح المنهج. ولعل من المعلوم والثابت أن هناك دائماً صداماًَ بين توقعات المنهج (syllabus expectations) والواقع (the realities ) الذي يتم فيه تدريس هذه اللغة. فالمنهج يتوقع أن يكون الهدف الأساسي لتعلم اللغة «التواصل» وأن الفقه ( dynamic) بمعنى أنه (activities) وليس (knowledge)، فهل واقع الوضع الذي تدرس فيه اللغة يسمح بتحقيق توقعات المنهج؟ سؤال أحيل الإجابة عنه لمن يعزون تدني مستوى اللغة الانجليزية للمنهج فقط. ولعلنا نذكر أننا في الستينيات لم يكن لدينا منهج بالمفهوم العلمي للمنهج، بل كانت هنالك كورسات عبارة عن كتب منتجة تجارياً ذات أهداف لا تمت لأهداف التربية السودانية بصلة. ففي المرحلة الوسطى فقط كانت هناك أكثر من سبعة كتب تدرس في السنة، ولكل واحد من مؤلفي هذه الكتب نظرته ومفهومه لماهية اللغة. وهذه الكتب في مجملها لا تكوِّن منهجاً. إذن لم يكن هنالك منهج ورغم ذلك كانت اللغة في أفضل مستوياتها، وعندما أدخلنا مناهج ذات مفهوم علمي تدنى المستوى. لماذا؟ الإجابة تؤكد ما هو معلوم ومؤكد .. هناك عوامل توفرت للمنهج في الماضي ولم تتوفر للمنهج اليوم. ثم إن الزعم أن (Spine) اهمل بعض مهارات اللغة كالاستماع والكتابة فهو زعم خاطئ. فهذه المهارات موجودةٌ وواضحةٌ وضوح الشمس، ولكن صدق من قال: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم أما عن أن الكتاب قد طال أمده فهذه حجة واهية، فهناك موضوعات لا غنى عنها وهي موضوعات غير مسبوقة عن تراثنا وقيمنا نذكر منها: النفير، برامج الأسر المنتجة، الكرم السوداني، التنمية، الصحة، الطاقة.. . الخ» فالذهب لا يصدأ، فكل ما نحتاج عمله هو تنقيح الكتاب وحذف ومراجعة ما يستوجب المراجعة، فنكون قد وفرنا الوقت والمال وبلادنا تواجه مشكلات جمة. وفي الختام أتمنى أن تنجح تطلعاتنا إلى المنهج الجيد ليكون عبارة عن (Bird of Paradise) وألا تكون حصيلتنا مجرد (a wet hen) وندخل مرة ثانية في دوامة تغيير المنهج لأنه غير مجدٍ.. مرة أخرى أتمنى التوفيق لمن يتم تكليفهم بوضع المنهج الجديد. مصباح بابكر الفكي المركز القومي للمناهج «سابقاً»