ظهر السبت «19» مايو كان منتدى جمعية حماية المستهلك عن ارتفاع الأسعار وإيجاد الحلول. قدم فيها السيد/ عبدالعزيز ورقة أوضح فيها بعض الخطوات الجادة التي تتخذها ولاية الخرطوم لتثبيت الأسعار على الأقل والعمل على تخفيضها بمعدلات ثابتة حتى تتلاشى الفجوة بين الدخول وبين الأسعار إن كان لذلك سبيل. وتحدث بعض الإخوة من المسؤولين الذين تقع الأسعار في دوائرهم إن كانوا من الغرف التجارية أو التعاونيات أو المستشاريين القانونيين أو من أعضاء الجمعية. قلت في مداخلتي إنني أعتقد أن الأسعار مثل الروح... فهل إذا طلعت الروح هل ستنزل مرة أخرى؟ وذلك إشارة مني إلى أن الأسعار والتضخم هما وجهان لعملة واحدة. متلازمان في حلهما وترحالهما. ولا يمكن أن تنزل الأسعار وتترك معدل التضخم مواصلاً صعوده الميمون. ولقد وضحت لي امرأة بسيطة هذه الحقيقة في سوق ليبيا أمراً لم يخطر على بال آدم سميث الاقتصادي ذائع الصيت الذي تدرس نظرياته لطلاب الاقتصاد. المرأة البسيطة جاءت تحمل ديكاً بلدياً تريد أن تبيعه. قلت لها: بكم الديك يا حاجة؟ قالت: بأتناشر ألف.. قلت : بأتناشر الف يا حاجة؟ أصلو ديك الجن؟ قالت : اتناشر الف... اتناشر الف.. شنو؟ ما كتر حساب بس.. وفي تلك اللحظة أيقنت أن تلك المرأة البسيطة بفطرتها السليمة قد أشارت إلى أخطر قضية شغلت وتشغل بال علماء الاقتصاد.. ألا وهي قضية التضخم. تصور؟ المرأة تقول إنها ستبيع هذا الديك بأتناشر الف جنيه.. ولكنها بمجرد أن تستلم تلك االجنيهات فإنها لن تستطيع أن تشتري بها ديكاً كالذي باعته قبل دقائق. وهذا يفسر لماذا تخلو بعض رفوف البقالات والدكاكين والحوانيت الصغيرة من البضائع. وسآخذكم معي في رحلة إلى أسفل السلم. فنقول «كونوا مثلاً ضرباً في الحديث» صاحب الدكان يملك عشرة أصناف ثمنها مليون جنيه... فإذا باعها واستلم المليون جنيه وبالرغم من أنه ربح فيها.. إلا إنها لن تشتري له عشرة أصناف مثلها ولكنها تشتري له ستة أصناف. فإذا باع هذه الستة أصناف واستلم ثمنها مليون ونصف، فإن المليون ونصف لن تشتري له ستة أصناف وبالكتير تشتري له أربعة أصناف. ولو أنه باع الأربعة أصناف هذه بمليونين فإن تلك المليونين لن تشتري له أربعة أصناف ولكنها تشتري له صنفاً واحداً. فإذا باع ذلك الصنف بثلاثة ملايين، فإن ملايينه الثلاثة لن تشتري له أي شيء من صنف بضاعته لأن سعر ذلك الصنف أصبح ثلاثة ملايين ونصف. وهكذا تصبح رفوفه فارغة .. فأين ذهبت أصنافه العشرة التي كانت تتحكر على رفوفه؟.... ابتلعها التضخم في جوف معادلاته غير المرئية لكنها محسوسة جداً في جلد الاقتصاد السوداني. ولذلك فلو صرفت راتبك وكان في حدود المليون جنيه، لا تذهب لتشتري اللحم والخضار وغيره «من دربك دا» بل اشتر به ولنقل «بلوتينات» سيارات. فإذا أردت اليوم أن تشتري اللحم والخضار طلع واحد بلوتين واصرفه واشتر لحمك وخضارك وهلمجرا. وبعد غدٍ طلع واحد بلوتين واصرفه وادفع الكهرباء وفاتورة الماء وهلمجرا. وحتى هلمجرا هذه إذا أردت أن تشتريها طلع واحد بلوتين واستمتع بهلمجرا مدنكلة. وفي رأيي أن الحكومة ستحسن صنعاً لو صرفت للعاملين بها رواتبهم في شكل بلوتينات وكتاين ومفكات وضلف أبواب وكريمات تفتيح البشرة لأن هذه الأصناف هي الأكثر طلباً اليوم. ومن ناحية أخرى نحن نشكو لطوب الأرض ومافي «درابة» ما شكونا لها.. من تعالي الدولار علينا وزحفه الصاروخي ولكننا في نفس الوقت نهدر ما عندنا من دولارات في استيراد «هتش» أو Clatter من المصائب البلاستيكية التي يتجول بها الباعة المتجولون حول إشارات المرور وهي كلها عبارة عن نفايات نحن نصرف عليها عملات حرة نستوردها بها ونتخلص منها بعملة صعبة «طبعاً ما في أصعب من الجنيه السوداني». لماذا لا نمنع دخول تلك النفايات المصنعة إلى بلادنا؟ فإذا أراد السيد وزير المالية أن يحقن دماء جنيهنا حتى لا تتفرق على العملات الأخرى عليه بالتنسيق مع الجمارك ووزارة التجارة لمنع استيراد ذلك «الهتش» الذي لا يغني من جوع بدلاً من اللجوء للحيطة القصيرة.. رفع الدعم عن المحروقات. والعمالة الأجنبية وما أدراك ما العمالة الأجنبية خذ مثلاً خادمات المنازل هناك مليون خادمة على أقل تقدير.. فلو كل واحدة أرسلت لعائلتها «5» دولارات فقط ، سنجد أننا نرى «5» ملايين دولار تغادر ديارنا إلى الخارج شهرياً أو «60» مليون دولار سنوياً وبالطبع هذا تقدير ضئيل لحجم ما يحوّل إذ أنه لا يمكن أن يكون تحويل كل عاملة «5» دولارات فقط. آخر الكلام: لكي تكون بلادنا رخية ورضية، علينا أن نزرع أكثر مما نقطع، وننظف أكثر مما نلوث، وننتج أكثر مما نستهلك. ولا نقبل ولا نشتري ولا نهدي أية هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارنا الحياة لنا ولسوانا. ولكي نحافظ على تلك الحياة الغالية لا نتكلم في الموبايل ونحن تقود السيارة أونعبر الشارع. ونغلقه أو نجعله صامتاً ونحن في المساجد.