يبدو ان دولة جنوب السودان الوليدة تسير على طريق محفوف بالقنابل الموقوتة، فبالرغم من ادعاءات الحركة الشعبية بادارة الدولة الوليدة بنهج ديمقراطى الا ان الواقع يعكس سلوكًا مغايرًا للحركة وهى تدير شؤون الجنوب، ويقول تقرير نشرته سودان تربيون بعنوان تحويل الجديد الى قديم وصفة طبخة مرقة جنوب السودان ان الدولة الوليدة تواجه تحديات شاقة اهمها نظام الحكم ويشكل الحكومة التى يرأسها سلفا كير الدينكا والنوير غالبية هيكلها الامر الذى أثار حفيظة المجموعات العرقية الأخرى، وهناك خلافات داخلية عديدة وذلك ان وزارات مفصلية كالدفاع والمالية والامن تشغلها عناصر من الدينكا مما يعنى ان الدينكا والنوير يمكنهما السيطرة على البلاد اذا اتفقا كما يمكن للنوير حشد اصغر القبائل العرقية ضد الدينكا حال اختلفا وكخطة استباقية فضل سلفا كير التقرب للنوير ظنًا منه انه يمكن شراؤهم بالمناصب الفاعلة بالدولة على حساب جماعات اخرى بالدولة كالمرأة والمسلمين بينما نظر اليها البعض كنقطة ضعف سعى سلفا كير من خلالها كسب مزيد من السلطة وفى حال فشل في توزيع عادل لها في الوقت القريب فإنه موعود برواندا جديدة.. ويحكم جنوب السودان مزيج غريب من العسكريين الذين تقلدوا مناصب مدنية كمكافأة لهم على تضحيتهم بأرواحهم اثناء فترة الحرب والمثقفين اصحاب الخبرات الضخمة التى اكتسبوها من وجودهم وتعليمهم بدول المهجر حيث تركوا زوجاتهم وبناتهم هناك الأمر الذى يشكل قنبلة قابلة للانفجار حال عجز طرفا الحكم عن خلق تجانس ناجح إذ من المستحيل تجاهل جنرالات الجيش او طردهم خارج السلطة بسبب جهلهم او عجزهم عن مجاراة المثقفين الوافدين من الخارج ويشكل الدستور قنبلة موقوتة اخرى وذلك انه تم التصويت عليه وتمريره خلال اسبوعين فقط من الانفصال ويشكل الدستور مصدر قلق كونه يمنح الرئيس الصلاحية لعزل الحكام وحل البرلمان وهو امرٌ يتناقض وسياسة اللامركزية المطبقة بالجنوب الآن حيث تنفرد كل ولاية بحكومة وبرلمان مستقل منتخب لمدة أربع سنوات كما أن الدستور لا يمنح البرلمان حق عزل الرئيس، وبالرغم من ان البعض يرى ضرورة وجود مثل هذا الدستور فى هذه المرحلة الا ان ذلك لا يمنع وقوع الحكومة فى نفس المستنقع الذى غرقت فيه كل من رواندا وزمبابوى ويوغندا فمنذ وفاة جون قرنق فقدت الحركة عمودها الفقرى والايدلوجيا السياسية التى تقوم عليها الامر الذى اضعف سلطتها السياسية وجعل الجيش وكيلاً للحكومة وبديلاً للمعارضة. وتعتبر عقدة النقص والاحساس بالدونية قنبلة موقوتة اخرى تهدد حياة الدولة الوليدة وذلك ان المسؤولين فى الجنوب يهتمون بارتداء الملابس والاحذية الاوربية الفاخرة بنية تعريف انفسهم كشخصيات ذات ثقل سياسى واجتماعى فى وقت يفتقرون فيه للخبرة والمؤهلات ويعتمدون على التملق للغرب كإحدى ادوات الحل لمشكلات الجنوب المزمنة هذا فضلاً عن استخدام المناصب لاستغلال الموارد الوطنية بما فيها النفط فضلاً عن انتشار ثقافة الإفلات من العقاب للمسؤوليين المتورطين فى قضايا الفساد والساعين للثراء قبل ان يقتلهم فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة، وقديمًا قال الجنوبيون فى طرفهم انه عندما جاء المبشر لنشر المسيحية كان يقول للمواطنين اغمضوا اعينكم فى الصلاة ليسرقوا دون ان يراهم احد وهو السيناريو الذى يمارسه المستثمرون الاجانب الوافدون من امريكا والصين والنرويج والسويد وبريطانيا وغيرها من الدول الغربية والقائم على نهب خيرات الجنوب بواسطة الحصول على العقود الاستثمارية عن طريق بيع اليخوت والفلل الفاخرة والسيارات الفارهة لمجموعة من المسؤولين الجنوبيين الذى باعوا ذممهم وضمائرهم من اجل الثراء السريع كما ان الدعم الإفريقى الفاتر الذى لا يخلو من النفاق احد التحديات الماثلة التى تقعد الدولة الوليدة وتهدد بانفجار وضعها، فبالرغم من الفرح والحماس الذى اظهرته بعض الدول الافريقية مثل كينيا واوغندا وجنوب افريقيا بمناسبة انفصال الجنوب وتكوين هويته المستقلة الا انها ترفض مباركة الخطوة قلبًا وقالبًا خشية ظهور كيانات انفصالاية تهدد وحدتها الوطنية وتعيد رسم جغرافيتها على اطلس العالم.