هل وقع نائب رئيس دولة الجنوب د. رياك مشار في الفخ الذي نصبته له قبيلة دينكا بور؟ أم أن الدكتور يرمي لأمر له ما بعده في أعقاب تقدمه باعتذار رسمي بثه تلفزيون دولة الجنوب لدينكا بور عن مقتل المئات منهم في عمليات عسكرية جرت في عام 1991 بعد انشقاقه عن الجيش الشعبي وقيادته حربًا ضد جون قرنق في مسقط رأسه منطقة بور؟ .. وكان مشار قد شنّ هجمات على دينكا لابور أدت لمقتل المئات منهم. الفخ الذي نعنيه هو صراخ أبناء النوير عقب تقدم مشار باعتزار معتبرين أن المسألة تنم عن سوء نية وأن زعيمهم رياك بتلك الخطوة رهن نفسه للدينكا خاصة وانه في ظل الصراع المكتوم بين الدينكا والنوير من أجل السيطرة على مقاليد الأمور في الجنوب الدينكا بسطوا هيمنتهم على المناصب الرفيعة والحساسة في الحكومة بينما النوير يتكئون على تدفق أنهار البترول في أراضيهم خاصة في ولاية الوحدة وفي خضم ذلك الصراع الذى يديره مشار بذكاء مكنه من الظفر بمنصب نائب رئيس الدولة الوليدة رغم محاولات إقصائه يسعى شباب الدينكا الى محاصرة الرجل باشهار سيف المحكمة الدولية فى وجهه بمشاركته في مذابح عمليات 1991.. بالمقابل وطالما يسعى الدينكا للنيل من مشار رغم اعتذاره لهم والذى قبلته أرملة جون قرنق ربيكا فإن النوير لهم أسلحة مضادة نشرتها صحيفة «سودان تربيون» ترجمتها «الإنتباهة» أمس تتمثل فى مطالبة قادتهم داخل حدود الدولة الجنوبية وخارجها الدينكا باعتذار مقابل نتاج ارتكاب الجيش الشعبي تحت إمرة قائده الأسبق جون قرنق لمذبحة ضد النوير عرفت بمذبحة جاكونى التى وقعت فى العام 1985.. ونجد أن مسارعة النوير بفتح جرح النوير جاكوني ستضعف موقف الدينكا تجاه محاولتهم اصطياد مشار لأن ذلك من شأنه تصعيد النوير لقضيتهم رغم أن اعتذار الرجل ثبت عليه التهمة وقدم للدينكا فرصة من ذهب ماكانوا يحلمون بها. وبالعودة للصراع الحاد بين القبيلتين فى الجارة الدولة الجنوبية فإن العصا الشهيرة لنقون دينق «المقدس عند النوير» والذى يدعي اتباعه أنه كان يتمتع بطاقة روحية هائلة نجدها واحدة من ادوات الصراع بينهما سيما وان دينق له نبوءة تقول إن زعيمًا من قبيلة النوير سيحكم جنوبًا مستقبلاً، واعتبر كثيرون عودة عصاه التي سرقتها القوات البريطانية قبل ثمانين عامًا والتى عادت فى مايو 2009 بمثابة إشارة قوة لانفصال الجنوب عن الشمال وهو الامر الذى تحقق الآن .. وكان مشار عقب استعادة العصا من الخارج قد قدمها لسلفا كير وهو يحملها على كفين مبسوطتين ورفعها الى سلفا كير بأسلوب تقديم القرابين في المعابد القديمة وهو يبكي بعنف.. وكان الكاتب الصحفي المهتم بالشأن الجنوبي إسحق فضل الله أشار فى إحدى كتاباته الى تلك الرواية وقال : «إن البكاء هذا يقدم للجمهور المحتشد هناك والذي يؤمن يقيناً بنبوءات نقون دينق - يقدم تأكيداً لشيء هو ان سلفا كير يعيش ايامه الاخيرة حسب نبوءات نيقودينق. وان سلفا سوف يموت والاعتقاد هذا كان حارقاً والحديث لاسحق الى درجة ان سلفا كير في خطابه يتحدى نبوءات دينق هذا وهو يقول: ان كان نيقودينق صادقاً فلينزل المطر الآن وبعد ساعة كان المطر يتدفق. أيضًا من أشكال الصراع التى كانت بائنة بين القبيلتين هو خروج حرم رياك مشار الوزيرة السابقة إنجلينا تينج عن إمرة قيادة الحركة وترشحها مستقلة لمنصب والي الوحدة فأخذ التنافس منحى قبليًا بحتًا فضلاً عن مسعى قيادات الدينكا فى الجيش الشعبى لتجريد النوير بالجيش من السلاح في اوقات متفرقة لإضعاف قوتهم. بجانب التنافس في الظفر بمقاعد مريحة فى الحكومة يحاول النوير كسب تأييد القبائل الاستوائية التى تشعر بتهميش الدينكا لها رغم المواقع الإستراتيجية التى يوجد فيها الاستوائيون فجل الحدود مع جيران الجنوب هى مناطق نفوذهم ومع ذلك نصيبهم ضئيل فى كيكة السلطة. ولا ننسى أن الغالبية العظمى من الناقمين على قيادة الحركة ورفعوا السلاح فى وجهها هم من الدينكا أمثال جورج أطور يتمتع مشار بعلاقات جيدة معهم الامر الذى ظل يقلق سلفا كير حتى أنه خرج مرة عن هدوئه المعهود ووجه اتهامات مباشرة لمشار فى يونيو الماضى بإدارة حكومة موازية لحكومة الجنوب بجانب الصراع حول الدستور الذى كرس السلطة فى يد الرئيس. ومع أن طيران ملف الصراع بين القبيلتين خارج حدود الدولة الجنوبية الا أن الامر من الممكن جدًا أن ياخذ بعدًا داخليًا يؤثر على مجريات الاوضاع فى دولة لا تزال تحبو ويشد الاقتتال القبلي أطرافها اللينة.