إن كانت علاقة الصحافيين بالمجلس الطبي تبدأ وتنتهي عند الأخطاء الطبية والشكاوى التي تذهب ولا تعود أو تعود وهي مهيضة الجناح، فإن الأطباء يعتبرون «الأخطاء الطبية» هي العبارة المحببة للصحافيين، ورغم أن غرض وزارة تنمية الموارد البشرية من الجمع بين الاثنين في منبرها الإعلامي الدوري كان نشر صيت المجلس وأهدافه، إلا أن الصحافيين لم ينظروا لقيادات المجلس بعين الرحمة وهم يحاصرونهم بالأسئلة الصعبة التي هي دائماً ملخص ما يصل إليهم من شكاوى طال باصحابها الانتظار، ولكن يمكن القول إن ممثلي جهات الاتهام استطاعوا إحراز درجات متقدمة في امتحان «المهن الطبية»، فلعبت قيادة المجلس في الاجتماع الذي ترأسه وزير الدولة بالوزارة السماني الوسيلة، دور الفاعل بدلا من المفعول به. فلسفة الوزارة من المنبر الذي جمع القطاعين الإعلامي والصحي، حسب الوزير السماني الوسيلة، هي خلق شراكة اجتماعية، لأن مهددات الصحة في الأساس معظمها يأتي من خارج الوزارة، سواء من البيئة أو غيرها. وعبر الوزير عن أمنية لتغيير أساليب الممارسة، لأن لدينا ممارسات ضارة مثل التعامل في المستشفيات والتعامل مع المرضى واستعمال الدواء، والمحافظة على الإنجازات التي نفذتها الدولة لا تتم المحافظة عليها بالقوانين واللوائح. رئيس المجلس الطبي بروفيسور زين العابدين كرار، ذكر أن هذا المجلس من أقدم المجالس، حيث صدر قانونه عام 1955م، وبدأ العمل به عام 1968م، ومناط بالمجلس الضبط والرقابة على المؤسسات الصحية وحماية المواطن من الممارسات السالبة، وأضيف إليها بعد التعديل اعتماد كليات الطب. وأقرَّ بأن القطاع الصحي به قصور وإخفاقات، وأن المجتمع غير راضٍ عن مستوى الأداء، وقدم الأمين العام للمجلس بروفيسور الشيخ العبيد عرضاً لأنشطة المجلس التي تتمثل في تسجيل الأطباء وتدريب الخريجين الجدد والتعليم الطبي وإعداد الدليل القومي للأدوية وامتحان ممارسة المهنة واعتماد كليات الطب والرقابة على المؤسسات الطبية والصحية «التجهيزات»، وأخلاقيات المهنة والشكاوى والمحاسبة. أما مستشار المجلس ولجنة المراقبة د. الخاتم الياس، فقال إن هناك شعوراً عاماً بأن الممارسة الطبية لا تلبي الطموحات، وأقرَّ بأن هناك حاجة لتطوير الممارسة والجودة، وأردف: «ما عندنا ميس عاوزين نصله، لأن كل مرة يفتح باب جديد». ورغم ضيق الزمن والتبرم الذي أبداه الصحافيون قبل بدء المنبر بسبب عدم الالتزام بالوقت، إلا أنهم وجدوا متسعاً ل «ينتفوا ريش» قيادات المجلس بأسئلة على شاكلة «لم نسمع صوتاً للمجلس في قضية طبيب عطبرة المزيف.. مبدأ الشفافية والمحاسبة غير مفعل لدى المجلس، فكثير من الشكاوى تستغرق زمناً حتى يصيب أصحابها الرهق والملل فينصرفون عنها ... كل المؤسسات الطبية والصحية تعاني نقصاً في المعدات، ولكن بعضها لا يحتمل ذلك النقص لطبيعة المرضى، مثل مستشفى الذرة الذي يعاني نقصاً في أجهزة أساسية، فأين هي الرقابة التي تقصدونها؟ هل المقصود من الإقرار الطبي حماية الطبيب؟». وتقاسم قادة المجلس الإجابة على الأسئلة، وبخصوص طبيب عطبرة المزيف قال بروفيسور الزين: «المجلس مسؤول عن أي طبيب تخرج في كلية الطب ولم يسجل نفسه، وطبيب الامتياز يسمح له بتسجيل تمهيدي، أما إذا لم يكن طبيباً في الأساس مثل مدعي الطب بعطبرة، فهذا يفتح له بلاغ لدى القضاء، ورغم ذلك لم نسكت بل نصحنا الجهات المسؤولة بفعل شيء لوقف ذلك العبث. وأصدر وزير الصحة توجيهات بمراجعة سجلات الأطباء». وأجاب المستشار بشير إبراهيم عن تأخر البت في الشكاوى، فقال إن هناك تحقيقاً دقيقاً يتم في كل مراحل الشكاوى التي تصل المجلس أو تنمو إلى علمه، وهذا التحقيق يستغرق وقتاً حتى لا يُضار المريض أو العاملين في الحقل الطبي أو الصحي، وأحياناً يستدعى أطباء وكوادر صحية من الولايات، وإذا لم تمر القضية بكل المراحل فلا تعتبر منتهية، أما عن الإقرار الطبي فقال إن به مشكلة، فهو لا يحوي تفاصيل، ويفترض أن يشرح الطبيب للمريض وأهله مضاعفات العملية، وبعد ذلك يترك لهم حرية اختيار إجرائها أو إلغائها، وليس المقصود به حماية الطبيب، ولكن هناك مضاعفات واردة الحدوث، فإذا تيبس أصبع مثلا فهذا وارد، أما إذا قُطع الأصبع فيحاسب الطبيب. وأقرَّ د. الخاتم بحدوث خلل في المؤسسات الطبية والصحية، وهم في اللجنة يبحثون أوجه القصور وتحديد فترة زمنية للمعالجة، وبعضها تحتاج لدعم من الولاية والوزارة، وأقرَّ بوقوع أخطاء بسبب تجهيزات لم تكتمل، ولكنه تساءل عن حجم الانفاق على الصحة في السودان. وكان موضوع المنبر مثيراً للنقاش، وليس ذلك بغريب، فوزارة الصحة في مجملها مثيرة للنقاش والجدل، وقد خرج الصحافيون بفائدة الحصول على أرقام تلفونات قادة المجلس للاستفسار عن موقف الشكاوى التي يرهقها طريق المجلس فتتجه نحو الصحافة، وقد كانت أرقامهم من قبل لا يمكن الوصول إليها.