أعلنت القوات المسلحة أمس عن إعادة انتشار قواتها خارج حدود إدارية أبيي بولاية جنوب كردفان، وصدر بيان عن الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش، حول هذه الخطوة التي تعني الانسحاب من المنطقة، تنفيذاً لما سمّاه البيان لأي ترتيبات تتعلق بالسلم كوضع نهائي وحرصاً من الحكومة على السلام والاستقرار وتوفير المناخ الملائم لاستئناف التفاوض بعد أن تقدمت الآلية الإفريقية رفيعة المستوى برئاسة ثابو مبيكي بمبادرة لسحب القوات المسلحة من أبيي، وتمسكت الحكومة بمطالبها التي تضمن السيادة على المنطقة باعتبارها شمالية والحفاظ على حقوق المسيرية كاملة في أي حل نهائي في إطار بروتكول منطقة أبيي في اتفاقية نيفاشا واتفاقية الترتيبات الأمنية الموقعة في أديس ابابا في 20/6/2011م مع ضمان حق المسيرية في أي ترتيبات أخرى. بالرغم من أن هذا الانسحاب محبط للغاية وجاء في ظل ظروف ضاغطة، إلا أن تبريره بهذه الكيفية غير مقنع، فالحكومة ظلت متمسكة بموقف واضح وشككت في قرار حكومة الجنوب مؤخراً بسحب قواتها وشرطتها من المنطقة، ورفضت دعوة مجلس الأمن الدولي إلى سحب الجيش من أبيي، فإذا كانت الحكومة تريد بالفعل الانسحاب من حدود الإدارية في إطار تسوية سياسية أو امتثالاً لدعوة مجلس الأمن الدولي ما كان عليها أن تصر على موقف صلد، يصبح التراجع عنه محبطًا لهذه الدرجة... وتعلم الحكومة قبل الآخرين أن الوساطة الإفريقية بقيادة ثابو أمبيكي بدت في الآونة الأخيرة غير أمينة وغير محايدة في الخلاف بين السودان ودولة جنوب السودان بدليل الخارطة التي قدمها أمبيكي لمجلس الأمن الدولي تتضمن مناطق أخرى «منطقة خامسة» بها تنازُع حدودي بين الجانبين.. كما أن الحكومة وهي تشكك في عدم سحب دولة الجنوب شرطتها من أبيي، ليس من المنطقي والطبيعي أن يسحب الجيش خارج حدود الإدارية وحكومة الجنوب لا تزال تحتفظ بقواتها وشرطتها هناك، إلا إذا كان حديث الحكومة وتشكيكها غير دقيق، أو وجدت ضمانات من أطراف دولية أو حتى من مبيكي بعدم إقدام دولة الجنوب على خطوة مفاجئة بإدخال جيشها في المنطقة وهذا أمر متوقع نظراً للحشود الكبيرة من القوات التي حشدتها جوباجنوب بحر العرب قبالة أبيي. ونحن هنا نستبعد وجود أي ضمانات أو التزامات نقلها مبيكي في إطار مبادرته، ونرجح أن استغفالاً سيحدث وخداعاً سيتم ولا تجد الحكومة مناصاً حينئذٍ من عض أصابع الندم.. وشيء آخر أعطت الحكومة الرئيس الأمريكي الأسبق ، جيمي كارتر شيئاً لا يستحقه أبداً، فهو أول من أعلن أمس الأول أن الرئيس البشير أكد له وبثقة كبيرة أنه سيسحب الجيش من أبيي، وملأ كارتر الدنيا وهو طروب فرح بما سمعه، والكل يعلم أن هذا الرجل عرج على بلدنا عجولاً مسرعاً ليظفر بما حدث ويعلنه للعالم، وكان هو في الأساس موجوداً في مصر يتابع انتخاباتها الرئاسية مع وفد مركزه الذي جاء إلى أرض الكنانة مراقباً لعمليات الاقتراع.. ولا شأن له بموضوع أبيي.. مهما يكن فإن الحكومة أقدمت على خطوة ربما تكون تبعاتها أكبر من أي تداعيات أخرى كانت ستحدث لو تمسكت بموقفها السابق وبقيت القوات في أبيي ما دامت هي منطقة شمالية ..! ولا يحتاج ذو عينين للنظر في ما سيجري في مقبل الأيام، بعد أن جعلت الحكومة موضوع أبيي قابلاً للمساومة مع تفضل حكومي وكرم حاتمي لا نظير له بتهيئة الأجواء لاستئناف التفاوض، ومدعاة للتوريط في نفق جديد.. لا نعلم كيف تفكر الحكومة..