الرؤى والأفكار دوماً ما تكون على المستوى النظري عملاقه وعظيمة قبل أن تنزل على أرض الواقع وتصطدم بالممارسة العملية فتحيد عن أهدافها وقيمها التي تهزم في التطبيق بل قد تخرج بصورة فجة لا تليق بالفكرة من أساسها أو قد تبدأ كذلك بشكل جيد وجاذب، ولكن سرعان ما تأخذ في التراجع والتشوه، ولعل تجربة التأمين الصحي بولاية كسلا خير مثال لهذا فهي كفكرة عظيمة وسامية وتتماشي مع القيم التكافلية التي يحث عليها ديننا الحنيف كما أننا لا ننكر بأنها أسهمت وبشكل كبير في تخفيف فاتورة العلاج للكثير من الأسر بالولاية خاصة فيما يتعلق بأمر الدواء إلا أنها وخلال الفترة الماضية ظلت تشهد تراجعاً كبيرًا في مستوى تقديم الخدمية العلاجية الجيدة والمريحة وذلك بناءً على إفادات العديد من مواطني الولاية على الرغم من أنها ظلت تعمل على التوسع الأفقي وإدخال أعداد أكبر من المواطنين تحت مظلة التأمين الصحي حتى بلغ عدد المستفيدين من الخدمة التأمينية بولاية كسلا «637.691» مواطناً ولعل أول ما يلاحظه الداخل للمجمع التشخيصي للتأمين الصحي بكسلا أعداد المرضى المكدسين بازدحام واضح بصالة المستوصف يتقاذفهم ضابط التأمين من هنا وهناك، وأغلب ضابط التأمين ينقصهم الكثير من مهارات التعامل مع الجمهور الأمر الذي يترتب عليه زيادة حدة انفعال المواطن الذي دائماً ما يأتي متحفزًا وقابلاً للاشتعال، فهو يحمل آلام مريضه ومعاناته وكان يأمل ويرجو أن يجد الاهتمام اللائق من العاملين بالتأمين الصحي، وأبدى عدد من المواطنين استياءهم الشديد من أداء خدمة التأمين الصحي بالولاية وقالت إبتسام إبراهيم إنها جاءت بطفلها محولة من مركز صحي التأمين الصحي بالحلنقة للمقابلة اختصاصي الأطفال، وأكدت أنها قد جاءت للمجمع الأسبوع الماضي وقامت بتسجيل ابنها، وأضافت أنها حضرت اليوم منذ الثامنة والنصف صباحاً وحتى الآن الساعة الثانية عشر ظهرًا لم يحضر الطبيب المختص، موضحة أن ضابط التأمين لا يرغب حتى في توضيح الأمر، فيما قال المواطن عبد الله محمد إدريس الذي يرافق زوجته إنه تم تحويل زوجته من مركز صحي الأسره لمقابل اختصاصي النساء والتوليد إلا أنه فوجئ بأن أقرب موعد لمقابلة الطبيب بعد عشرة أيام، الأمر الذي سيضطره للذهاب للطبيب بعيادته وترك أمر التأمين، مشيرًا إلى أن التأمين سيقوم بدفع قيمة خدمة دون الاستفادة منها، وعزا ذلك إلى خلل النظام المتبع، مؤكدًا أن النظام المتبع في التأمين الصحي يسهم في خلق هذا الازدحام والتكدُّس، فيما أبدى أغلب المواطنين الموجودين بالمجمع التشخيصي تذمرهم من طريقة الإحالة والمقابلة للاختصاصيين، وأكدوا أن المريض عليه الانتظار لساعات طوال ليحظى بلقاء الاختصاصي. فيما أكد الدكتور وائل أحمد فكي حامد المدير التنفيذي للصندوق القومي للتأمين الصحي بولاية كسلا أن الإدارة وضعت خطة واضحة تتماشى مع سياسة التوسع الذي يشهد التأمين الصحي على المستويين الرأسي والأفقي وذلك من خلال الاهتمام بزيادة عدد الكوادر الطبية العاملة وعدد الأجهزة والخدمات، مؤكدًا سعي الإدارة لتقديم خدمة تأمينية جيدة، وأشار إلى الزيادة الواسعة في عدد المراكز الصحية مبيناً أن معدل الإحالة للمجمع التشخيصي اليومي يصل ما بين «150» إلى «200» مريض مؤكدًا أن مكمن الإشكالية في الخدمة التأمينية يتمثل في الإحالة للاختصاصيين، وعزا ذلك لشح وندرة الكوادر الطبية المتخصصة بالإضافة إلى الجانب النفسي للعديد من المرضى الراغبين في مقابلة طبيب بعينه، وقال إن التأمين الصحي يوفر أكثر«600» صنف من الأدوية، وأكد وائل أنه وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها التأمين الصحي إلا أن هناك العديد من المعوقات، وتطرق إلى قيام مجلس تنسيق الخدمات العلاجية وقال إن هذا المجلس سيسهم كثيرًا في تحسين الخدمات الصحية المقدمة وعزا الدكتور وائل الإشكاليات الموجودة حالياً تعود بقدر كبير إلى النظام الصحي بالولاية والندرة وشح الكوادر الطبية المتخصصة بالإضافة إلى مشكلة الوعي والجوانب النفسية.