إجتاحت أعاصير الثورة الدول العربية في تونس ومصر ولبيا. وانتصرت ثورات الربيع في تلك الدّول. وأسقطت دولة التخلّف. فقد أصبح التخلّف هو (القاسم المشترك) بين أنظمة الحكم في تلك الدّول. في حقبة الأنظمة البائدة التي أسقطتها ثورات الربيع العربي، أصبح التخلّف هو (الطقس) الوحيد (الخالد) من طقوس الوحدة العربية!. حيث درجت تلك الأنظمة البائدة على ممارسة (شعائر) التخلّف، إلى الدرجة التى جعلت من المنطقة العربية هي الوحيدة والأبرز، دون مناطق العالم الأخري، في استحقاق وصف منطقة (ضغط حضاري منخفض). الأجيال الجديدة في ثورات الربيع العربي تعبت من أنظمة الفساد والإستبداد والحكم الديكتاتوري. تعبت من أمراض التنمية التي لم تفتك بمنطقة في العالم، مثلما فتكت بالمنطقة العربية. إذ برغم الموارد الهائلة من المياه والنفط والمعادن والغاز الطبيعي والثروات الطبيعية والأراضي الخصبة والموقع الإستراتيجي، مايزال دخل الفرد في الدول العربية، يُعتبر من أقل مداخيل الفرد في العالم. حيث أصبح يقارب دخل الفرد في الدول الأفريقية جنوب الصحراء. حتى انطلاقة ثورات الربيع العربي الأخيرة، كان ذلك الفقر الإقتصادي لايضاهيه إلا فقر الشجاعة السياسية في مواجهة الفساد الداخلي وإرهاب الأنظمة القمعية. كما لايضاهيه إلا فقر الأنظمة الفاسدة المستبدة في مواجهة الطامعين في الأرض العربية والمال العربي والتجارة العربية والثروات العربية والعقول العربية. في عالم الفساد والإستبداد والتخلّف العربي، ذلك العالم الذي أطاحته ثورات الربيع العربي، ثورة واحدة لا تكفي. إسقاط الأنظمة البائدة هو فقط البند الأول في استحقاق التقدُّم العربي. حيث في أمة العرب، أمة (إقرأ)، وهي جزء من (خير أمة أخرِجت للناس)، تبلغ نسبة الأميَّة (50%). وتلك من أعلى النِّسب في العالم. وفي كارثة إهدار الموارد البشرية، فإن (25%) من الشباب العربي عاطلون عن العمل، أو يعملون خارج نطاق مؤهلاتهم. كما تعتبر مشاركة شباب الدول العربية في الحقل العلمي، من أقل المشاركات، مقارنة بنظرائهم في العالم. ثورة واحدة لا تكفي. في مجال أوراق البحث العلمي، يبلغ إنتاج العالم من أوراق البحث (12.5) مليون ورقة بحث علمي، منها (37%) في دول الإتحاد الأوربي، و(34%) في أمريكا، و(22%) في اليابان، وأكثر من (2%) في إسرائيل، وأقل من (1%) في الدول العربية. ذلك من حيث الكم فقط دون النوع. ذلك جزء من حصاد الفساد والإستبداد و الفقر وسوء التخطيط والفشل السياسي العربي. في منظومة التخلّف العربي بعض الدول (منها السودان)، لاتوجد بها (جامعة أبحاث). ولا واحدة!. كما أن بعض المناهج الدراسية الجامعية، كان ينبغي أن تُدرَّس ضمن مقررات شعبة التاريخ. فقد أصبحت تلك المواد التي تُدرَّس باسم الصيدلة والهندسة والعلوم مثلاً، في حقيقتها هي جزء من تاريخ الصيدلة وتاريخ الهندسة وتاريخ العلوم، وغير ذلك. ثورة واحدة لا تكفي. وقد ثبت وجود علاقة بين التقدم العلمي والدخل السنوي للفرد. حيث تنتج أمريكا (34%) من الأبحاث العلمية في العالم، وهي تسيطر على (30%) من الإقتصاد العالمي. ثورة واحدة لا تكفي. وقد فتكت أمراض التنمية بالدول العربية. كما لم تفتك بمنطقة أخرى في العالم. ومن أمراض التنمية الإفتقار إلى حرية الإبداع والإبتكار وتخلُّف المناهج الدراسية التعليمية، وبؤس البحث العلمي، واستخدام «الدين» لمنع التقدم، وانخفاض المستوى الثقافي العربي. ويمكن مقارنة عدد الفضائيات التي ترعى (الغرائز)، بعدد المؤسسات التي ترعى (العقل)، بعدد المؤسسات العلمية العربية التي تناظر المؤسسات العلمية في الدول الغربية. في إطار أمراض التنمية، لا يمكن نسيان البيروقراطية التي تقتل الإبداع. لا يمكن نسيان الفشل في العمل البحثي كفريق متكامل، أو عدم ارتباط الأبحاث العلمية بالنهضة الوطنية. ثورة واحدة لا تكفي، في دول ثورات الربيع العربي. ثورة واحدة لاتكفي في العالم العربي. هناك ثورة مُستَحقة في مناهج التفكير لم تحدث بعد. ولم تبدأ بعد. لأن تغيير النظام التعليمي فقط، يحتاج الى (20-30)عاماً. حتى الآن لا تعلم الأنظمة التعليمية والسياسية الحاكمة في الدول العربية، أنّ عليها ابتداءً إدراك أن عهد التلقين السياسي والتعليمي قد انتهى. وإن تلك من بديهيات التنمية وشروط النهضة. يجب أن تطيح ثورات الشباب بأنظمة الفساد والإستبداد والتخلّف. أنظمة (تحصيل حاصل). يجب أن تطيح ثورات الربيع العربيّ بالزعماء من سَدَنة وحماة واقع التخلّف والتجزئة، مِمَّن هم (رعاة) الواقع العربي، ممَّن هم انعكاس للواقع العربي، ممَّن هم شبيهون بالواقع العربي، ممَّن هم يعيدون إنتاج الواقع العربي. لقد أطاحت ثورات الربيع العربيّ بأنظمة الفساد والإستبداد، لكن يجب أن يستقر في الوعي الثوري، إن تلك هي البداية فقط. حيث أن ثورة واحدة لا تكفي، لإنجاز مستحقات الرِّيادة والسيادة والصعود إلى قمة العصر.