أحد المنصفين من الغربيين قال إن مشكلة قومه مع نبي الإسلام هي أنه قديس ومحارب، وعابد ومتزوج! وهم يريدون محمداً مصلوباً كالمسيح وحصوراً كيحيى، لأن المثال في تراثهم هكذا؟ القرآن يرد عليهم استناداً إلى مراجعهم: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التورات ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره). فالمثال لا يقتصر على الإنجيل بل التوراة تراثهم أيضاً، وإذا كان الإنجيل هو مثال الرحمة، فإن التوراة هي مثال الشدة. ومحمد قد جمع مع اصحابه المثلين، المادي والمعنوي أو العهد القديم الجديد. التوراة والإنجيل.. الشدة والرحمة.. الفضل والرضوان.. والركوع والسجود. محمد واصحابه بمثلهم المضروب قد جمعوا العهدين القديم والجديد وحققوا مثال الإنسان الكامل الذي وظيفته (العبادة والعمران) وصلاته (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) القرآن قد صرح بهذه السيرة الواقعية للرسل إجمالاً (ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية) كما فصل القول في قصص الأنبياء، فداود وسليمان من أنبياء التوراة وقد أسسوا الدولة بالقتال وأداروها بالملك فهم مثال للأنبياء، بل سليمان عليه السلام هو طالب الملك الحصري (وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب) وهو صاحب الجيش الأممي: (وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون) ذلك في مقابل الكتيبة الخضراء لنبي الإسلام والتي عبّر عنها أبو سفيان بقوله: (لقد عظم ملك بن أخيك) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وقال كقول النملة لقومه (ادخلوا مساكنكم). وكذلك من بني إسرائيل يوسف قبلهم تولى الوزارة وأدار التموين ومارس التخطيط وباشر التحقيق كما أن المسيح لم يخلُ من التأييد السلطوي! فلولا أن القيصر قد تبنى المسيحية لما كانت هي اليوم الأكثر انتشاراً! وثق القرآن ذلك في قصة أنصاره من أهل الكهف حيث وافقت يقظتهم مرسوم ميلانو الذي أصدره قسطنطين بعدم تعذيب المؤمنين.. بل وتحويله العاصمة من الغرب إلى الشرق حيث القسطنطنية عاصمة للدولة البيزنطية ابتداءً من عام 330م جاء في القرآن (ولبثوا في الكهف ثلاثمائة سنين) وباّطراح عمر المسيح تظهر الآية في بعثهم ونصرهم بتأييد الدولة للدين وبناء الأديره: (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذنّ عليهم مسجدا). إن النظرة الأحادية في تاريخ الملل قد أعطت المثال الحاد بطلب الرضوان بالرهبانية وطلب العلو بالفساد كما هي المسيحية واليهودية أما النظرة المتكاملة فمعتدلة يقول نبيها: (إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) وفي شأن الحرب والسلام: يقول محمد صلى الله عليه وسلم عن نفسه (أنا نبي الرحمة أنا نبي الملحمة). إن المثال هو ما يوافق الفطرة والمبدأ ويحقق المصلحة ويعدل بين الناس، وهو ممكن التحقيق لأنه يحترم الواقع ويرتقي للسمق ولا عجب فهي فطرة الله وكلمة الله. القرآن حتى في أحكامه جمع بين الشدة والرحمة، بين عدل التوراة وسماحة الإنجيل، حيث قال بالقصاص والعفو (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) ثم اختار المسامحة شريعة خاصة بعد القانون (واصبر وما صبرك إلا بالله). لأن المسامحة لا تصلح قانوناً عاماً!. وإذا كان أنبياء التوراة والإنجيل موسى وعيسى ما آمنت لهم إلا الذراري لتتأخر نصرتهم أجيالاً فإن محمداً قد نصر في حياته لأنه من بيئته قد أخذ فسائل فأحسن تربيتها فاختصر الطريق (كزرع أخرج شطأه فآزره) أعطاهم في البداية هداية فأعطوه في النهاية نصرة كما يؤازر الخلف الزرع عند إخراج الثمر. وهذا هو مثل الزرع المضروب في آخر الآية ولا عجب فهي سورة الفتح ولا عجب فهو القائل بمبدأ التتمة الإصلاح لا الثورة (إنما بعثت لأتتم). وبعد فمدرسة ابن عباس في تفسير الآية تقول بالقراءة وقفاً عند التوراة، وهذا يعني اختلاف المثلين المضروبين (مثلهم في التوراة. ومثلهم في الإنجيل) يعني أيضاً ومنها اقتبسنا هذه الإضاءة لنقابل بها الإساءة التي تريد أن تلصق صفة الإرهاب بنبي الإسلام وتنسى أنبياء التوراة المحاربين عليهم السلام أجمعين.