{ للفقد جاذبية ويحرر دواخلنا التي كثيرًا ما تؤثر الصمت حالة!! وللحضور زخم قد يشغلنا عن التدبر في الاشياء.. العبقرية !! ونكون من سعداء الحظ فعلاً إن جاورنا..التقينا.. صادفنا شيئاً من تلك العبقرية في حياتنا متجسدة في شخوص أو حالات! ونحن إذا غفلنا عن حظوظنا في الدنيا لا نغفل عن حظوظ الآخرين فيها، هناك أشخاص نشعر جدًا بخصوصية حالتهم وتميزهم واصطفائهم بتفرد آسر لا نملك إلا السكون في حضرة ابداعهم متسائلين من أين يخرج؟ والامثلة كثيرة لمبدعين مروا في حياتنا ورحلوا وخلفوا فينا اثرًا لا يزول .. الراحل صلاح أحمد إبراهيم أحد الذين أشعر تجاههم بتلك الخصوصية المتميزة، قريبون مني دون أن تكون بيننا سابق معرفة قد تكون هي الأرواح تتلاقى! في بداياتي الصحفية وذلك الشغف المقيم حملت أوراقي وحقيبتي الكبيرة واتجهت صوب قاعة الصداقة لعلمي بمشاركة الشاعر صلاح أحمد إبراهيم في تلك الفعالية وكان وقتها يزور السودان بمبادرة واستقبل حينها استقبالاً رسمياً وتبرع بمبلغ 50 ألف فرنك فرنسي للمجهود الحربي. استغربها البعض منه حينها. اندفعت وقتها لملاقاة الشاعر صلاح دون أي خطة مسبقة عما أريد حوارًا أم موعدًا أم رؤيته فقط!! وتسللت صعودًا حتى وجدته خارجًا من قاعة المؤتمرات في الاستراحة وجريت نحوه، صافحته واستأذنته في دقائق قليلة ولا يوجد في ذهني شيء محدد فقد التقيته وكفى! وفي لحظة من أميز اللحظات استجاب وجلس تواضعًا وأريحية وابتسامة رغم إلحاح الأستاذ المحبوب عبد السلام أن لا يوجد وقت الآن وأن الجلسة الآن على وشك أن تبدأ وبدأت أرتجل الاسئلة وهو يجيب وأنا أكتب وأسرع بملاحظة جانبية لسؤال آخر لا أذكر كم مر من الوقت ولكن نودي عليه وبتكرار الطلب استأذن أن سنكمل لاحقًا حديثنا.. غادرني هو وعدت أدراجي إلى مبنى الصحيفة «السودان الحديث» وأنا في قمة سعادتي بذلك الحوار المبتور! وبفرحة أخبرت رئيسي المباشر أنني التقيت صلاح وأجريت معه ذلك الحوار وكان رده أن رجلاً في قامة صلاح لا ننشر له عملاً غير مكتمل وانه لا بد من إجراء حوار مطول معه. أحبطني رد رئيسي لكنه لم يستطع انتزاع ذلك الإحساس الأصيل بداخلي !! وإلى يومنا هذا! وإذا كان هناك من يسعد بالتلقائية والبساطة وحتى السذاجة- وقتها- فهي أنا!! ..كان سودانياً مغرمًا إلى درجة الجنون، يمتلئ كبرياء واستعلاء بأصوله الافريقية، كتب وأبدع في الغربة وبين غانا وباريس، رحل صلاح يوم الاثنين 17 مايو في المستشفى الامريكي في باريس إثر علة طارئة. وذلك بعد قرابة الخمسة شهور من وفاة صديقة الاستاذ علي المك ورثاه صلاح بقصيدة بدأها بالحديث عن ام درمان.. العشق المشترك!! لهما الرحمة ولكل مبدع في بلادي رحل او هو باق بيننا.. الرحمة والمغفرة للاستاذ الريح عبد القادر ولصحبه من مبدعي بلادي من رحلوا مؤخرًا وتركوا فراغًا نتمنى ان نملأه بذكرى موثقة تحييهم ابدًا..