رحل الشاعر المصري الشفيف .. الأخ والصديق الرقيق الأستاذ محمد حمزة.. وترك وراءه ثروة فنية هائلة لا تقدر بثمن.. رحل بعد أن ظل يصارع المرض أكثر من شهرين متتالين، وخلف وراءه حزناً مقيماً وفراغاً عريضاً في دنيا الشعر الغنائي، وقد عرفته وتعرفت عليه قبل ثمانية وعشرين عاماً، تحديداً في أبريل من العام 1982م.. وكنت حينها مبتعثاً من صحيفة (الأيام) الغراء.. للتدريب والتأهيل في مؤسسة (روز اليوسف) المصرية التي عمل بها من قبل أستاذنا الكبير الراحل حسن ساتي- رحمه الله- وأنشأ فيها من العلاقات ما مكنه في لاحق الأيام بعد أن أصبح رئيساً لمجلس الإدارة ورئيساً للتحرير في صحيفة (الأيام).. أن يُفعِّل علاقاته تلك من أجل الكوادر الصحفية الشابة التي تعمل في دار الأيام للطباعة والنشر والتوزيع.. ومن أجل أن تنال حقها وحصتها في التدريب والتأهيل، وكان ذلك العام 1982م، وهو العام الذي ابتعثت فيه إلى هناك. مؤسسة (روز اليوسف) الصحفية تُصْدر مجلة (روز اليوسف) ومجلة (صباح الخير).. وكانتا في ذلك الوقت من أوسع المجلات العربية انتشاراً.. وجاء حظي للتدريب في (صباح الخير) التي يرأس تحريرها آنذاك الصحفي الكبير الأستاذ لويس جريس، وكان الفنان والرسام المبدع الراحل الأستاذ (هبة عنايت) مستشاراً فنياً لها.. ويجاور مكتبه مكتب الصحفي والكاتب الكبير الأستاذ (مفيد فوزي).. وإلى جوارهما الكاتبة والصحفية نهاد جاد، ونجوم كثيرون كانوا يزينون سماء الصحافة المصرية البهية المقروءة. في تلك الأجواء والطقوس الصحفية القوية.. تعرفت على تلك الكوكبة.. ومن بينهم تعرفت على الشاعر الرقيق محمد حمزة الذي كان يحرر باباً ثابتاً في الصفحات الرياضية، واقتربت منه، وتصادقنا.. وقد كان نجماً كبيراً وشاعراً يشار إليه بالبنان في مصر، وكنت وقتها في بدايات حياتي العملية والزوجية، وقد رافقتني زوجتي طوال فترة الابتعاث، واحتفى بنا الوسط الصحفي في مصر.. وكان أول من قدم لنا دعوة خاصة هو الشاعر الكبير محمد حمزة- رحمه الله- وزوجته الراحلة المخرجة التلفزيونية المعروفة الأستاذة فاطمة مختار، والتقينا في منزلهما بنجوم السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون، ونجوم وأقطاب عوالم الفكر والثقافة والآداب والفنون. ونحن في القاهرة التقيت بأخي وصديقي الإذاعي الشاب كمال الشريف.. واشتركنا في إعداد وتقديم برنامج إذاعي لإذاعة أم درمان حمل اسم (رحلة كاسيت).. سجلنا من خلاله مع الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ.. ومع الفنان الضخم الكبير الأستاذ صلاح جاهين.. ومع عملاق الصحافة العربية الراحل الأستاذ مصطفى أمين، ومع محب السودان الشاعر العظيم الأستاذ عبد الرحمن الأبنودي أمد الله في أيامه، وغيرهم وغيرهم، وكانت كل الأبواب تفتح أمامنا لأن مفتاحنا للعقول والقلوب كان هو الشاعر الرقيق الذي رحل عنا يوم الجمعة الماضية الأستاذ محمد حمزة.. والذي لا ننسى أفضاله علينا ونحن شباب لم نتجاوز السنوات الأولى في عشرينيات العمر، وهو شاعر ضخم وكبير غنى له الفنان عبد الحليم حافظ (العندليب الأسمر).. وحده سبعاً وثلاثين أغنية.. أبرزها وأولها (مداح القمر) و (سواح) و(موعود) و(أي دمعة حزن لا).. وتغنى له كل الكبار من وردة الجزائرية مروراً بمحمد العربي وشادية وأصالة نصري.. انتهاء بكاظم الساهر وسميرة سعيد. لقد ترك الراحل المقيم أكثر من ألف ومائتي أغنية رغم أنه ظهر في عصر العمالقة الكبار من أمثال عبد الوهاب محمد، ومرسي جميل عزيز، وكامل الشناوي ومأمون الشناوي وسيد حجاب وغيرهم.. ولا نملك إلا أن ندعو للراحل بالمغفرة والرحمة والقبول الحسن.