عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع علي الحاج في مهجره: «الجزء الثالث»
نشر في الانتباهة يوم 10 - 06 - 2012

في ضاحية «بادغوديزبيرغ» التي تبعد عشرة كيلومترات تقريباً من وسط مدينة بون العاصمة السابقة لألمانيا الغربية، وفي عمارة من أربع طبقات تتكون من عدة شقق سكنية، في الطابق الأول قبالة المدخل الرئيس توجد شقة متوسطة الحجم، يعيش فيها مع أسرته، الدكتور علي الحاج محمد، نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي المعارض والقيادي الإسلامي المعروف، الذي هاجر لألمانيا عقب الانشقاق الكبير للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني قبل اثنتي عشرة سنة واختارها منفاه لخريف عمره السياسي ...
استقبلنا د. علي الحاج بحرارة عند مدخل العمارة في هذه الضاحية الهادئة التي كانت مقر سكن الدبلوماسيين الأجانب أيام ألمانيا الغربية قبل عودة العاصمة لبرلين عقب توحيد الألمانيتين.
كان الرجل بشوشاً للغاية، مرت سنوات طويلة لم أره فيها ، كان يرتدي بنطالاً أزرق اللون، وقميصاً بخطوط طولية بيضاء على زرقاء، غزا الشيب مفرقيه، كأنه غبار الحياة ... لكن ابتسامته لم تفارقه رغم أنه كان يتلقى منّا العزاء في وفاة شقيقته...
دلفنا داخل الشقة البسيطة الأثاث، في صالون الاستقبال الرئيس، توجد مكتبة ضخمة على اليسار، فيها أمهات الكتب الدينية وعدة مصاحف، وكتب وأوراق خاصة وملفات كثيرة، وضعت على الأرفف بعناية فائقة، إلى اليمين ونحن نتجه نحو مقاعد الصالة، يوجد شبه ممر جانبي صغير يستخدمه مكتباً للكتابة والقراءة ومراجعة أوراقه، وعلى طاولة صغيرة أيضاً توجد نظارة قراءة وبعض متعلقات خاصة.. أمام مقاعد الجلوس طاولة كبيرة عليها أواني وأباريق الشاي والقهوة وسلة فاكهة، وامتلأ المكان بضحكات الرجل المعروفة وتعليقاته الفورية وأسئلته الملحاحة عن الأوضاع في البلاد والأهل والمعارف والأصدقاء.. وهو حاضر الذهن والبديهة متقد الذاكرة.. رغم أن بريقاً غامضاً في عينيه يمعن في التأكيد أنه يشعر بحنين جارف لبلده وناسه.
كل مداخل الحديث كانت سهلة للغاية.. وكل شيء يفتح ألف باب للحوار، تركت الأمور تسير بتلقائيتها وتداعيها الطبيعي قبل أن نشرع في الحوار... تناولنا معه مختلف قضايا السياسة ما سبق منها وراهنها الحالي من العلاقة بين السودان وجنوب السودان ودارفور ومستقبل الأوضاع في البلاد وأسباب غيابه الطويل وموانع عودته...
ثمة ملاحظات سريعة على علي الحاج في مهجره... حفظ القرآن الكريم، وتعمق في دراساته حدثنا طويلاً عن القراءات والروايات المختلفة ومقارناتها من المغرب وموريتانيا وليبيا ومصر وغرب السودان وحفظه لأجزاء من القرآن الكريم على يد الشيخ أحمد الربيع بنيالا رحمه الله، وأبدى ملاحظات على القراءات في دارفور وكيف حفظ الناس القرآن في الصدور، وعرفوا رسم المصحف وهم لم يروا مصحفاً مطبوعاً إلا في نهاية أربعينيات القرن الماضي في طبعة الملك فاروق، وقال آراء كثيرة في هذا الجانب ويحتفظ بكتب ومصاحف بالروايات والقراءات المعروفة والمخطوطات النادرة.
زادت قناعاته لدرجة لا يوصف حدها، بأهمية الحريات العامة والثقافة الليبرالية والديمقراطية، ويبدو أن تجربته الطويلة في الغرب، جعلته ينظر وفق مراجعات فكرية وسياسية للسودان منذ عهد الحكم الوطني حتى اليوم عبر منظار نقدي صارم، أفاده في استخلاصات ختامية مفادها أن الحرية لا غنىً عنها في التطور السياسي والحكم الراشد.
من منصة خارجية ينظر للأوضاع في السودان ويجمع معلومات من مصادر شتى، مما أتاح له تقييم ما يجري بأدوات تحليله الخاصة ويصل لما يراه صواباً حين يبدي رأياً.
يكتب في هذه الفترة مذكراته الشخصية عن أحداث عاصرها، وأخرى شارك فيها وتفاعل بها، وأوضاع كان في لبِّ صناعتها، وتحولات وتطورات كانت له يد فيها ورموز وشخوص عامة عاش معها ورافقها وعمل معها وراقبها عن كثب.. لذلك تجده حاضر المعلومة لا يتحدث إلا بتواريخ وتوثيقات دقيقة يذكر فيها الساعة واليوم والشهر والسنة، وكأن ما عاشه وهو يتخطى عتبات السبعين.. كتاب مفتوح أمامه.
قبل أن نغادر محطة نيفاشا... ما الذي يدعوك للقول إنها اتفاقية بلا وقائع ولا محاضر؟ ربما هناك وقائع ومحاضر لم تطّلع عليها... وما دليلك على ذلك؟
أولاً أنا لا أتهم نيفاشا ومن صنعوها بالسهو، لكن هناك قصر نظر في تقدير الموقف كله، بالفعل لا توجد وثائق ومحاضر ووقائع الاجتماعات، وقد طلبت ذلك ولم أجد، وبُنيت كل المفاوضات خلال تسعة أشهر من لقاءات علي عثمان وقرنق، على جلسات مغلقة بينهما، وهي لقاءات تناجي بالقول، سمّيتها أنا «اجتماعات مناجاة»، ولا يمكن لقضايا مصيرية أن تناقَش بهذه الطريقة... وعندما سمّيتها بهذا الاسم غضب مني بعضُ قيادات الحركة الشعبية وقالوا لي هذه اللقاءات المغلقة كانت لمناقشة قضايا أبيي وجبال النوبة وغيرها.. وقلت لهم هذه قضايا عامة فيها مصير قطاع كبير من الشعب لا يمكن مناقشتها إلا تحت الضوء وبالوضوح الكامل تختلف حولها الآراء وتتفق... وطوال مسؤوليتي عن المفاوضات وملف السلام لم يحدث قط أن عقدنا إجتماعًا لشخصين فقط، وأنا ضد أي تسوية يتم حسمها عبر شخص واحد من هنا وشخص واحد من هناك...
«مقاطعة» لكن يا دكتور علي هناك قضايا كانت تحتاج لمثل هذا النوع من اللقاءات بين قيادتي الوفدين... لماذا يذهب الظن إلى غير ذلك..
لا اعتراض... على مستوى منهج التفاوض العام، لكن القضايا الكبيرة يجب التحاور فيها بطريقة مختلفة.. وليس لديّ ظن ولا لديّ شيء مؤكد لكني حسب تحليلي لأجواء المفاوضات أنئذٍ وشخصيتي المتفاوضَين اللذين انفردا باللقاء فإنني أعتقد أنهما كانا يناقشان كيف يُحكم السودان في شراكة سياسية بين الطرفين..
هل تقصد طرفي التفاوض «المؤتمر الوطني والحركة الشعبية»؟؟
في اعتقادي أن الطرفين علي وقرنق وهما يفضلان العمل بعيداً عن العلن.. وهذا اعتقاد قد يخطئ وقد يصيب.. والله أعلم.. وحسب تجربتي الحركة الشعبية دائماً تفضل العمل السري تحت الطاولة... ولا تريد الأشياء تُعلَن وتُطرَح للناس...
هل جاءت لحظة حاجة بالفعل لوقائع نيفاشا؟
نعم، بالفعل الآن يوجد ثابو مبيكي ولجنته للتوسط في القضايا الخلافية بين الدولتين، وهو ولجنته لا توجد لديهم خلفية كبيرة، لم يجدوا شيئاً من الوقائع و( minutes) لنيفاشا والالتزامات المكتوبة بين المفاوضين.. ويوجد فقط تفسير ذاتي لما حدث..
وهناك رأي أن الاتفاقية التي أعطت الجنوبيين كل ما يريدون لم تحقق أي مقصد من مقاصد السلام؟
أنا لست ضد إعطاء الجنوبيين أي حق لهم إذا طالبوا به واثبتوه ، لكن يجب أن يكون ذلك وفق أسس واضحة... مثل البترول كما قلت وفي خلافات الحدود وغيرها ولا أدري لماذا تم ما جرى هناك..
لو كنت مكان المفاوض السوداني، أو مكان علي عثمان، ماذا ستفعل؟
لو كنت مكان المفاوض أو شيخ علي، لما قبلت بكل شيء كما جاء في نيفاشا في موضوع قسمة البترول والسلطة والحدود، ففي موضوع البترول هذه مسألة اقتصاد حياة أو موت، لم أكن لأقبل أن يكون مناصفة ولمدة قصيرة وحتى لا أظلم أحداً أعود وأقول لا أدري ما الذي كان يجري وماذا كان يقال في الاجتماعات لأنه لا توجد لدينا وقائع ومحاضر حتى نرجع إليها في التقييم وهذه مشكلة حقيقية...
لماذا في تقديرك أهمية وجود هذه المحاضر والوقائع؟
لأنه ببساطة عندما تغيب المرجعيات والمحاضر فإن الحلول التي تأتي لمعالجة الخلافات والتأويلات والتفسيرات المتعارضة تكون حلولاً سياسية محضة... والمحاولات الجارية الآن لتسوية الخلافات مع دولة الجنوب هي محاولات لحلول سياسية لا صلة لها بنيفاشا التي غابت حقائقها وخلفياتها النقاشية تماماً.. ولا يمكن حل هذه الخلافات عبر نيفاشا وبروتكولاتها...
لكن كلنا كنا نعتقد أن الاتفاقية في صياغاتها وتفاصيلها كان هناك شهود وشركاء وخبراء من المجتمع الدولي فيها؟
يا أخي الرؤساء وناس كولون باول وهيلدا جونسون وغيرهم من حضور التوقيع كانوا حضورًا في مراسم الزواج والزفاف لا يعلمون شيئًا عن تفاصيل العقد والمهر وغيرها «يضحك»..
هل بالفعل تم توريط البلاد في قبول ضم المناطق الثلاث التي أعادت الحرب الآن من جديد؟
لم أعثر على شيء اختلف فيه المفاوض السوداني، كانوا موافقين على كل شيء قُدم لهم بخصوص المناطق الثلاث... وهو ما يؤكد قولي إنهم كانوا يبحثون عن سلام بأي ثمن... قرنق هو الذي طرح هذه القضايا للمناطق الثلاث وساعده دانفورث والأمريكان على ذلك وناسنا قبلوا بسرعة، حتى أنا أستغرب لماذا حلوا ولاية غرب كردفان مثلاً ولا أفهم المبرِّرات حولها ولا أفهم ما المقصود من المشورة الشعبية...
هل صحيح أن قرنق كان يريد بالفعل ضم المناطق الثلاث للجنوب؟
هناك حقيقة أن الحركة الشعبية قاتل لها طيلة حربها الطويلة أبناء النوبة أكثر بكثير من أبناء الجنوب والدينكا أنفسهم، وقلت في مرحلة سابقة للمرحوم يوسف كوة عندما قدم في لحظة واحدة عشرة آلاف شاب وشابة كمقاتلين في صفوف قرنق، إنكم ستقاتلون بالنيابة عن الدينكا الجنوبيين... وقرنق شعر في نيفاشا أنه في موقف لا بد من التهدئة مع النوبة والتلويح لهم ببعض الآمال...
هل كان بالإمكان تلافي هذه الأخطاء الكبيرة؟
نعم كان ذلك ممكناً، بالرجوع للناس بالداخل، ولا أعني بالرجوع أن يأتي وفد التفاوض ويجلس مع الرئيس وبعض القيادات للتنوير والتفاكر، كان يجب الرجوع لمؤسسات الحزب الحاكم وكل الجهات الأخرى التي تستطيع استنباط الرأي بدلاً من حصره في إطار ضيق...
هل فعلت أنت ذلك عندما كنت مسؤول ملف السلام؟
أنا أجزم وأقول واثقاً لم أفعل شيئاً لم يتم التشاور حوله في أجهزة الدولة والحركة الإسلامية ونصف رأيك عند أخيك... وكل الذين عملوا معي يعرفون طريقتي.. كنا نتناقش في كل شيء يقومون علينا ونهاجم وننتقد لكن في النهاية نصل لرأي جماعي نمضي عليه..
هل كان يمكن تفادي نيفاشا كلها كاتفاقية بالصيغة التي جاءت بها؟
طبعاً كان يمكن تفاديها...
كيف؟
لو أُشرك فيها الجميع ولا أقصد بالجميع القوى السياسية والأحزاب الأخرى المعارضة كالمؤتمر الشعبي أو غيره.. أنسى المؤتمر الشعبي.. كل العاملين في المجال السياسي، كان ذلك سيعطي الاتفاقية قوة لكن الغربيين كانوا يريدون المؤتمر الوطني منفرداً حتى يضغط عليه ليقبل التسوية التي تصورها الغربيون وقالوها لقرنق إن هذه الحكومة ضعيفة ومعزولة من القوى السياسية، عليك بطرح السقف الأعلى من مطالبك واضغطوا عليهم ولا تنتظروا أي قوة سياسية أخرى.. في مسألة أبيي كان يمكن الحل أن يكون عبر أهل أبيي أنفسهم لو أُشرك المسيرية كقبيلة بكل زعاماتهم كعنصر أساس للتفاوض وليس عبر أفراد، بجانب دينكا نقوك ،المسيرية والدينكا نقوك لو جلسوا وحدهم بعيداً عن تأثيرات المؤتمر الوطني والحركة لتم حل المشكلة بتراضٍ.. وبالمناسبة أبيي كانت أهم من الجنوب نفسه في فترة من الفترات بالنسبة لقرنق لأن أولاد أبيي أخطر عناصر في الحركة وكان قرنق يحسب لهم ألف حساب وهم من يقودون المشكلات مع السودان الآن ومعهم باقان أموم...
لماذ تظن أن مجرد لقاء بين المسيرية ودينكا نقوك سيحل المشكلة؟
لأن المشكلة صورها المتعلمون من أبناء أبيي من دينكا نقوك ومن ذهبت بهم السياسية في اتجاه آخر.. ولديّ قصة حكاها لي فرانسيس دينق، أن أبناء ابيي هم (out spoken) في الحركة الشعبية والقصة تقول إن فرانسيس دينق كان يريد الزواج من زميلته الشمالية وهي من أسرة معروفة وقال لوالده الناظر دينق مجوك إن عقبة الزواج أنني يجب أن أكون مسلماً فقال له والده «وأنت شنو ..» وتدخلت والدته وكانت حاضرة وقالت له «أنتو سبب المشاكل أنحنا جينا للمسيرية وعشنا معاهم عمرنا دا كلو وانحنا معهم حاجة واحدة ..» وقلت مندهشًا لفرنسيس : كلام امك دا شنو ..؟ قال لي «امنا ما عارفة حاجة» قلت له «إنتو الما عارفين حاجة»...
المهم أن نيفاشا كانت فيها قضايا يمكن تفاديها ومعالجتها أفضل مما جاءت به..
هل الموافقة على بقاء جيش الحركة في الشمال وترتيبات تقسيم السلطة في جنوب كردفان والنيل الأزرق هي القنابل الموقوتة في نيفاشا.. ونحصد ما زرعناه الآن؟
اهم ما في نيفاشا في هذه الملفات وأقولها للأسف لم يكن هناك تكافؤ بين المفاوض من جانب الحكومة والحركة... وفد الحركة كان متابعًا لكل جولات التفاوض منذ الثمانينيات مع أحزاب الديمقراطية الثالثة، ومع الإنقاذ، ووفد الحكومة لم يكن متابعًا بل قليل منهم فقط كان متابعا.
مثل مَن في وفد الحكومة؟
نافع كان متابعًا في أبوجا ومطرف..
لنعد للسؤال عن جنوب كردفان والنيل الأزرق؟
صحيح، هذه المناطق فيها قنابل موقوتة، وكانت أمام المفاوض فرصة حتى يتجنب ذلك مستقبلاً بالرجوع للخرطوم والتشاور قبل إبداء رأي نهائي بالموافقة على ما تم في البروتكولين المخصصين لهاتين المنطقتين... وكان يمكن الاستنصار بأهل هذه المناطق من فعالياتها وقواها الشعبية وزعاماتها والمجتمع الدولي الذي كان يتابع ولا يرفض مثل هذه المشاورات..
بعد كل الذي حدث .. جاءت نيفاشا والفترة الانتقالية وذهبت وانفصل الجنوب.. والآن توجد مواجهات وحرب وخلافات عميقة.. ما هي قراءاتك لتمخضات كل هذه الفترة؟
والله شوف.. هذه أكثر من آثار جانبية لنيفاشا، وأي خطأ حصل يتحمله الطرفان بذات النسبة وحصة التي أعطتها لهما الاتفاقية!! وأحمل الطرفين بقدرما لديهما من نسبة ... المؤتمر الوطني لديه 52% من السلطة والقرار والحركة 28%، كان على المؤتمر الوطني فعل أشياء كثيرة بما يملكه من نسبة، وكان لديه كل أسباب إنجاح الشراكة، وأنا أعرف المشكلات في الحركة الشعبية وعيوبها ومشكلات الجنوب بتفاصيلها، وأعرف ما كان ينبغي أن يكون، لكن أداء المؤتمر الوطني في الحكم لم يتحل بالمسؤولية الكبيرة التي كنت أتوقعها، ليس من أجله هو لكن من أجل تجنيب البلاد ما نراه اليوم.. وليس لدي معيار آخر غير نسب المشاركة لتقييم الموقف.
ما هي تداعيات ما بعد نيفاشا وانفصال الجنوب؟
ما يهمني الآن بصدق بعد أن صارت نيفاشا والجنوب جزءاً من التاريخ .. هو ما تبقي من السودان والحفاظ عليه، وألا يكون مصيره هو مصير الجنوب.. وموجة الذي حدث في الجنوب يمكن أن تتكرر في مناطق أخرى، حتى لا يتكرر ما حدث في الجنوب.لا بد من الحذز واليقظة والصدق..
«مقاطعة» لكن هناك قضايا عالقة؟
القضايا العالقة هذه صعبة.. لا الجنوب وحده ولا السودان وحده يستطيعان حلها، وهناك حلول موجودة ولكن توجد مشكلة تتعلق بالمصداقية من الطرفين، فالجنوب يشعر باهتزاز في القرار في الخرطوم، والسودان يشعر بأن الجنوب لا يرغب في تسوية الأمور، والدليل أن هناك اتفاقاً أبرمه نافع وألغي، واتفاقاً آخر ألغي، والجنوب فيه أيضاً آراء كثيرة وهذه معضلة لا بد من تجاوزها.
لماذا تحدث مثل هذه المواقف التي تجعل الثقة تفقد بين الطرفين؟
هناك أشياء متعلقة بالتفويض الذي يُمنح للمفاوضين وحدوده، وانفراد المفاوضين بالموافقة على أشياء كان يجب الرجوع والتشاور حولها.
ما مستقبل العلاقة بين السودان وجنوب السودان؟
العلاقة مرهونة بحسن التصرف والثقة، والجنوبيون ليس لهم غير التعامل مع السودان، وهو المجال الحيوي لهم في تعاملاتهم، واندماجهم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي مرتبط بالسودان وليس كينيا أو يوغندا، ففي فترة الحرب جاءوا إلى هنا، والغريب لا تجد جنوبياً تزوج كينية أو إثيوبية، وإن وجد تعد الحالات على أصابع اليد الواحدة، ولا توجد لديهم علاقات بشرق إفريقيا وهناك من يدفعهم تجاه هذه الدول، لكن الخيار الأفضل لهم هو الاتجاه شمالاً.. وهناك فرص يجب استثمارها بالحوار البناء والجاد للوصول لصيغة تعايش.
لكن يبدو أن الجنوب حدد خياراته الآن واختار طريقه كما يشاء.. فلماذا نلهث وراءه؟
استطيع أن أقول وهذا موجود في الوثائق التاريخية للبريطانيين في فترة الاستعمار وبعدها لا توجد أصلاً في كل الخيارات خيار لاستقلال الجنوب على الإطلاق، وكل ما قرأته وبحثت عنه أني وجدت ثلاثة أفتراضات فقط تحدد مصير الجنوب، وهي إما أن يكون جزءاً تابعاً للسودان، أو جزءاً من شرق إفريقيا ، أو يُقسم الجنوب على أن يكون جزء تابعاً للشمال في السودان وأجزاء تضم ليوغندا وكينيا وإثيوبيا.. هذه هي الخيارات والافتراضات التي وضعت أصلاً للجنوب، ولم يكن من بينها صناعة جنوب مستقل، والوثائق موجودة، والأدبيات متاحة في الوثائق البريطانية والأمريكية ولدى بعض البلدان الأوروبية. يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.