{ إذا افترضنا أن الشعب السوداني قدّر وتفهَّم ضرورة رفع الدعم عن المحروقات وقال دعونا نستجير من النار بالرمضاء وليس العكس، وهو يخشى أن تستمر وتتفاقم الآثار السالبة بالإبقاء على دعم المحروقات، وتفهّم أيضاً الحرب المالية «الانتحارية» التي شنتها حكومة جوبا على نفسها وعلى ميزانية السودان حينما أوقفت إنتاج النفط الذي كان سيستفيد السودان من عوائد عبوره ونقله ومعالجته وتصديره عبر ميناء بورتسودان وهي الأموال المتوقعة التي كانت تريد الحكومة السودانية إدخالها إلى الميزانية العامة، وقال هذا الشعب لنترك الدولة تقوم بالإجراءات الإصلاحية الاضطرارية لمصلحتنا نحن كمواطنين فقراء يهمنا الإصلاح الاقتصادي أكثر من قيادات الدولة ومديري المؤسسات ورجال الأعمال وأصحاب الشركات الطفيلية مثل التي تقوم بإعادة تعبئة السكر في عبوات أقل وزناً، فبهذا يكون هذا الشعب بالفعل «شعب حارّة»، ولا يخذل دولته وقت «الحارّة» ويدوبي مع صلاح بن البادية: «وقت الحارّة والنار تزيد في لهيبا.. البندورا من رأس الجبل بنجيبنا.. سودانية نحنا قول لعدونا في البسوي كتر زيدنا.. بالموت والسجن تب ما بكون تهديدنا»، وإذا كان عدونا هنا هو حكومة جوبا وأيضاً هي عدو شعب جنوب السودان لأنها مع مساعي نسف الأمن والاستقرار التي تبذلها تقوم بخطوة غريبة جداً وهو قرارها الجنوني بوقف ضخ النفط، إذا كان عدونا هو الحركة الشعبية فإن الشعب قال في مناخ تحرير هجليج بلسان الحال: «سودانية نحنا قول لعدونا في البسوي كتِّر زيدنا..» فبعد خروج البترول الجنوبي من الموازنة وبعد قرار جوبا بوقفه لتخرج من الموازنة في وقت حرج حتى عائدات عبوره فإن الله الرزّاق ذا القوة المتين قد أنعم على المواطن والدولة معاً بعائد الذهب، إذا افترضنا أن المواطن السوداني قد عرف «البئر وغطاءها» كما يقول المثل، واستعد للوقوف في هجير شمس الإصلاحات الاقتصادية آملاً في أن تتكوّن سحابات الفرج، فإنه أو أننا بالنيابة عنه وبالأصالة عن أنفسنا نشترط ونحن في موقف ضعف واستضعاف أن تنجح الحكومة في محاربة الفساد المالي وتجنيب المال العام في بعض المؤسسات وتقليل الصرف البذخي على الاحتفالات الكبرى بعد التحوّل الديمقراطي لأن هذا الصرف والإنفاق يبقى عادة الأنظمة الشمولية التي تسعى لردم الفجوة الجماهيرية بالضجيج، أو لسنا في عهد الديمقراطية الرابعة؟! أم هو عهد «الديمقراطية الراقعة».. أي لرقع الحكومة ذات الثقوب الشمولية؟! هذه هي اتهامات القوى السياسية المعارضة، فهل ستزيل دوافعها هذه الحكومة «الواعدة» لتكسب رضا الشعب؟! ثم إلى متى ستظل هي حكومة واعدة وعمرها قرابة ربع القرن؟! إذا عفوناها عن السنوات العشر الأولى التي «بَرَجَلها» فيها حسن الترابي، خاصة أن البشير قال: «إنخدعنا في الترابي».. وهذه بمثابة أسف واعتذار، فلماذا بعد ذلك أدخلت البلاد في عملية تنازلات لم تكن هناك ضرورة لأقساها؟! هل أيضاً انخدعت في قرنق والحركة الشعبية؟! بالطبع نعم.. لكن متى سيتوقف مسلسل الانخداع هذا؟! المهم في الأمر هو أن تتجنب الحكومة بعد تنفيذ عملية الجراحة الاقتصادية بدون تخدير تتجنب كل ما من شأنه أن يستفز المواطنين، فلا نريد هذا العام تقريراً مقززاً من ديوان المراجعة العامة ولا نريد تجنيب المال العام في المؤسسات الحكومية، وإذا كانت الحكومة تريد الإصلاح فإن الشعب يريد بالمقابل التطهير من الفساد المالي بكل أنواعه وأشكاله وفنونه.. ولتذكر هذه الحكومة دائماً وهي حكومة إسلامية بالطبع لتذكر ما قاله الشهيد سيد قطب، إنه قال: «إن الرأسمالية هي التي ارتكبت جريمة تحبيب الشيوعية في الجمهور». أنظر هذا التلخيص، فليت الدولة تستفيد منه حتى لا ترتكب جريمة تحبيب الشيوعية والتمرد والخروج على الحاكم في الجمهور.. علماً بأن البلاد يعوزها برامج التأصيل ومستشارية التأصيل تبقى بائسة وعاجزة تماماً عن أبسط التفكير، وليكن سيد قطب هو مستشار الرئيس للتأصيل.