كان أبي «يرحمه الله» حينما يعود من السوق يستلقى على سريره المفروش بعناية، ليأخذ قسطاً من الراحة والاستجمام من رهق يوم مضنٍ.. فكانت بعدها هنالك لحظة يطلق فيها عنان التفكير والتأمل وعلى يمينه بمنضدة صغيرة صينية الشاي.. كان يستلقي على قفاه يخلف رجلاً على رجل يضع يده اليسرى على قفا قدمه اليمنى التي ترتاح على ركبة الرجل اليمنى ذلك حتى يتمكن من أن «يربت» على باطن قدمه ضربة ضربتين تلاتة بعدها ينطق عبارة معهودة كنت اسمعها منه كثيراً في مثل تلك الاتكاءة «الاستجمامية».. كان يقول .. «والله حكاية عجيبة»!! كان بودي أن أسأله عن ما هي الحكاية.. لكنه هنا كان يحدث نفسه فقط بصوت مسموع.. ولم نكن حينها ونحن في ذلك الزمن طلبة صغار نكترث كثيراً لمتاعب الحياة.. وزي ما بقولوا «همنا في غيرنا».. كل الهموم ملقاة على عاتق الأب.. كان همنا كل همنا واجباتنا المدرسية ولعب الكورة وأمسيات الأنس ووو. وكانت تبدو لنا الحياة في ذلك الزمان سهلة.. لأنها كانت بسيطة.. لكن الأب على قدر بساطتها كان مهموماً ومشغولاً بتعليم الأبناء والمعايش وحينما يهل الخريف فهو يعني له صيانة المنزل الشتوية «الزبالة» وفتح المجاري وكذلك حينما تفتح المدارس.. أو يأتي رمضان أو العيد.. لذلك فإن حساباته على الدوام «مقصرة».. لكنه كان مسردب ليها لا ينقلها لأبنائه كما يحس بها هو فهو جمل الشيل.. ثم كبرنا وكبرت الهموم.. وأصبح تدريجياً الوالد في المعاش فحملنا عنه المسؤولية.. لكن الشيء الملاحظ أن تلك العبارة: «والله حاجة عجيبة» تلاشت.. وتقدمت الأيام وتزوجت وأنجبت العيال ومشيت في نفس درب الوالد.. مدارس وصحة.. ومعاش.. وأسعار وغلاء أسعار وديون وأقساط ومناسبات.. ومطالب مكررة من الزوجة وكل ما «نلتقا» بي هنا «تنقد» بي هنا وو.... إلخ وذات يوم كنت أختلي بنفسي لا إرادياً بطريقة الوالد القديمة رحمه الله وأرقد في فراش لو سألتني حينها ما لون الملاية لا أعرفه.. وعلى يميني كباية شاي وأنا وحدي في الغرفة أحدق في فضاء واسع لا متناهي في الغرفة وأحاول جاهداً ترتيب الماهية عشان تلفق.. لكنها استعصت وأبت.. ووجدت نفسي أضع قدمي اليسرى على «ركبة» الرجل اليمنى وأربت براحة يدي على باطن القدم اليسرى وأنا أردد عبارة.. أدركت سرها أخيراً وانفكت طلاسمها وأنا أقول: