لا تثق قوي المعارضة السودانية فى حزب الأمة القومي بزعامة السيد الصادق المهدي، وهى فى العادة تتوجس من خطواته وخططه ومواقفه. وقد رأينا كيف إهتزّت الأرض ومادت تحت أقدام قوي المعارضة حين دخل كل من السيد الصادق المهدي و د. الترابي زعيم المؤتمر الشعبي فى خلاف وتلاسُن واضطرت بقية القوى المعارضة لجعل قضية الصلح بين الزعيمين هى قضيتها الرئيسية الوحيدة، وحالما تم لها المراد، إبتهجت الوجوه وإبتلت العروق وذهب الظمأ السياسي الحرَّاق فى جوف القادة، ولكن كان ذلك الى حين. إذ سرعان ما نشبت (حرب سياسية بادرة) تكفلت بتجميد الحراك داخل أروقة المعارضة حتى أن الأصداء الوحيدة التى ظلت تتردد لم تتجاوز أصداء صوت المحامي كمال عمر عبد السلام، الأمين السياسي للشعبي ومغازلاتته السياسية المجانية للحزب الشيوعي. ومع أن قوي المعارضة كما أسلفنا لا تثق فى حزب الأمة إلاّ أنها فى ذات الوقت لا تطيق بعاداً عنه، ولا تجد أدني رغبة فى العمل إلاّ فى حضور الأمة القومي، وذلك على الرغم من أن الحزب سبق وأن أخطر الرفاق فى قوي المعارضة أنه (لم يعد معهم) ونقلت ذلك الدكتورة مريم، بعبارات لا تحتمل أىّ تفسير آخر. وتشير متابعات (سودان سفاري) فى هذا الصدد الي أن الأزمة داخل قوي المعارضة أزمة شاملة بحيث طالت الرؤي السياسية والأفكار والقيادة المتنازَعة بينهم، فى ظل تفضيل الشعبي لقيادة فاروق أبو عيسي ومقت وكراهية الأمة لهذه القيادة التى يُقال إنها مشوبة بالحُمرة التى (أباها المهدي)! سواء صحّت العبارة المتداولة أم لم تصِح. كما أن السيد الصادق كما هو معروف لديه رؤية خاصة بتغيير النظام الحاكم فى حين أن بقية قوي المعارضة -بدافع الأحلام والتمنيات السياسية المجانية- تتطلع لإسقاط النظام وبعضها متورط بهذا السبب فى صلات مشبوهة بجهات خارجية هي التى توفر الدعم لما يسمي بالجبهة الثورية التى هى الأخري تعاني أزمة تنظيمية وخلافات شديدة الحدة. والمشكلة الآن أن قوي المعارضة هى الآن فى الأصل بلا قواعد، إذ أن حزب مثل المؤتمر الشعبي يبدأ وينتهي بالدكتور الترابي وفى بعض الاحيان يخيل للمراقبين أن الحزب هو الترابي ولا شيء غير الترابي، حتى مع جعجعة كمال عمر عبد السلام و صوته الذى ما عاد يفي بالغرض رغم استخدامه لكافة العبارات المحرمة سياسياً ورغم قاموسه (الفريد فى نوعه)! كما أن الحزب الشيوعي الذى يعتقد العديد من شبابه أنه نكص علي عقبيه بإختياره لأمين عام من الحرس القديم، وفى سن سياسية لا تكفي لتنفيذ برنامج دورة واحدة، هو الآخر بلا قواعد وقابل لإنفجار فى أىّ لحظة. أما أبوعيسي و(رفاقه) الذين ليست لهم مقار( للمبيت السياسي) وقضاء الليلة، فهم بدون شك خارج الحسابات وإن بدا غير ذلك ظاهرياً. الأزمة فى قوي المعارضة أنها لا تدرك حتى الآن أنها من المستحيل ان تصبح بديلاً بحال من الاحوال مهما كان الموقف من النظام الحاكم. هى أحزاب فقدت صلاحيتها منذ سنوات واختلط دمها السياسي بدماء (خارجية) ملوثة، ولم يعد فى عمرها ما يكفي لبدايات جديدة.