لمجرد قيام حزب الأمة القومي بزعامة السيد الصادق المهدي بتقديم مبادرة – قدمها أمينه العام – للحزب الوطني و جري لقاء بين الجانبين – الأمة و الوطني بقصر الضيافة مؤخراً ، فان القوى المعارضة السودانية سارعت على الفور لملاحقة حزب الأمة القومي مبدية قلقاً بالغاً على خطوته السياسية هذه . و خطوة حزب الأمة دون شك تصب فى خانة الفعل السياسي الايجابي ، بصرف النظر عن النتائج التى ستفضي لها المشاركة من عدمها أو معالجة لمستقبل الأوضاع فى الشمال عقب الانفصال ، ففي النهاية اجتهد الحزب- وفقاً لرؤاه الخاصة - وقدَّم ما يراه و ما يستشعره. و من المؤكد أن حزب الأمة القومي لو كان (يثق) فى الطريقة التى تعمل بها أحزاب المعارضة ، ذهنيتها و تعنتاتها غير المستندة على منطق ، مطالبها العالية السقف، أطروحاتها المتناقضة مع أوزانها السياسية لما بادر بتقديم مبادرته ، فالحزب فيما يبدو أدرك انه لو انتظر قوى المعارضة لتجتمع و تقرر و تتخذ موقفاً إيجابياً مفيداً فان(النهار يكون قد طلع ) و الأوان قد فات تماماً. وهذه علّة عرفها الحزب (بحكم إحتكاكاته الطويلة بهذه القوى المعارضة) لهذا سارع بتقديم مبادرته ، وتكتّم عليها وفاجأ القوى المعارضة بلقاء زعيم الحزب بالرئيس البشير. و بالطبع ربما صدقت نبوءة الحزب ، فقد واجهت القيادية مريم الصادق ما يمكن وصفه بهجمات عديدة من قوى المعارضة ، حيث طالب كل حزب (بما يريده) فالحزب الشيوعي قال انه لن يكون ملزماً بأي (اتفاق ثنائي) يعقده حزب الأمة مع الوطني! أما الشعبي فقد أعاب ممثله كمال عمر الأمين على الأمة عدم مطالبته بالإفراج عن أمين عام الحزب الدكتور الترابي ! و هكذا ، فان القوى المعارضة كعادتها حاولت بشتى السبل التقليل من شأن الخطوة التى قام بها حزب الأمة ، و بدت وكأنها كانت تتوقع من حزب الأمة ان يحمل كل همومها و مشاكلها ، وحتى قضاياها التنظيمية الخاصة ليحلها لها و لهذا أعابت على الحزب توجهه الثنائي. و سوف تظل أزمة القوى المعارضة مراوحة مكانها ، فالفعل السياسي لدي هذه القوى المعارضة هو تقديم مطالب و مذكرات مرفقة معها تهديدات و وعيد، و هى تعلم أن وزنها السياسي اقل بكثير من أن يجعل كل من يستمع إليها يعيرها اهتماماً ، و مع ذلك زادت هواجسها و تخوفاتها الآن لأنها تستشعر أن كل حزب بات يتدبّر نفسه، و يكيِّف نفسه مع الظروف القائمة ، و هناك أحزاب و لشدة خفتها و صغرها لن تحتمل البقاء فى ظروف كهذه ، حيث الرياح عاتية و الصقيع السياسي على أشده ، وهى فقيرة سياسياً و تنظيمياً ، بل فكرياً !