تناولنا أكثر من مرةٍ في هذه المساحة قضية الربا في المصارف وفي غيرها من المؤسسات المالية الشبيهة، مثل صندوق المعاشات وغيره، وتناول القضية غيرُنا أيضاً، فلم يفتح الله على »هيئات الفتوى« بهذه المصارف، ولا على إداراتها، ولا على مؤسسات الفتوى الرسمية في الدولة التي يفترضُ أنها المرجع الأساس لكل مؤسسات هذه الدولة، لم يفتح اللهُ على أحدٍ من هؤلاءِ بكلمةٍ في هذا الشأن، سواءً بالرد على ما أُثير حول ربوية تعامُل هذه المؤسسات، أو بالاعتراف بهذا الخلل المريع والعمل على إصلاحه. نتيحُ هذه المساحة اليوم لمداخلةٍ من مصرفي عريق، شهادتُهُ في حق المصارف والبنوك بمثابة شاهدٍ من أهلها، فهو من »أهل الذكر« الذين ينبغي أن تفزع الدولة إليهم، حين يتعلق الأمر بالعمل المصرفي، هو الأخ الأستاذ عبد المجيد منصور عبد الله، الذي نرجُو وكما وعدنا في ذيل كلمته هذه، أن يُفصِّلَ ما أجملَ، ويُبرئَ ذمته بكلمة الحق التي لا خير فيه إن لم يقلها، ولا خير في الدولة إن لم تسمعها. الأستاذ علي يس السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد. بما أنني مصرفي قديم، عملت منذ كنتُ يافعاً في بنك »باركليز«، ثم، لمَّا شببتُ عن الطوق، عملتُ في البنك السعودي الهولندي بالمملكة العربية السعودية، ثم بعد ذلك نائباً للمدير العام للبنك الإسلامي السوداني «وكان يقودهُ رجلٌ لا علاقة لهُ بالصيرفة ولكنهُ إداري من طراز فريد، هو السيد محمد عثمان خليفة»، ثم بعد ذلك مديراً عاماً للبنك الإسلامي السوداني عندما تركهُ السيد محمد عثمان خليفة، ثم بعد ذلك مديراً عاماً للبنك الأهلي السوداني. أردتُ من كل هذا السرد أن أقول إنَّ لي علماً وخبرةً في هذا المجال، يؤهلانني لإبداءِ رأيي من موقع العلم والخبرة اللذين توفرا لي بفضل الله في ما آلت إليه حالُ المصارف، وفي القائمين عليها، وفي معاملاتها، وفي علاقة بنك السودان بها، وفي السياسات التي تم انتهاجها في خصخصة عدد كبير من المصارف «والتي هي مؤسسات سيادية، وليس كما يعتقد كثيرٌ من الذين تغيبُ عنهُم الجواهر المكنونة من فرط جهلهم فيصفون المصارف بأنها «مؤسسات خدمية»!! ولنعُد هُنا إلى موضوع الربا في البنوك وفي المؤسسات الشبيهة، ودعني أقول لك بكل أسف، إن البنوك عندنا ضالعةٌ من شعر رأسها إلى أخمص قدميها في الربا، ووالغةٌ في دم الغلابَى، حتى أنتنت روائحها وصارت كالصديد يخرجُ من أمعائها!! أما القائمون على هذه البنوك «إلا من رحم الله»، فاكتسبوا بالجهل مناعةً ضد الإحساس بأنهم مكلفون في هذه الأرض بإعمارها بالحق وبالعدل، فانشغلوا عن واجباتهم الأخلاقية والدينية تجاه عملائهم ونحو بلدهم، انشغلوا عن ذلك برفاهياتهم الخاصة، وتركوا وراء ظهورهم القيم العُليا وأخلدُوا إلى الأرض وسقطت منهم الهِمم. أستاذ علي، إن لي سِفراً في هذا الموضوع، فدع هذه المقدمة تكن فاتحةً لأُدلي بدلوي معك، رجاءَ أن يُهيِّئ الله في مؤسساتنا المصرفية آذاناً تستمعُ القول فتتبع أحسنهُ، فيتطهر الوسط المصرفي من كل أدران الربا، وأرجو أن تُفسح لي في مقبل الأيام إن شاء الله، مساحة عمودك هذه كي اتخذها منبراً. قال تعالى في سورة الإسراء الآية «16»: بسم الله الرحمن الرحيم «وإذا أردنا أن نُهلِكَ قريةً أمرنا مُتْرَفيها ففسقُوا فيها فحقَّ عليها القولُ فدمَّرناها تدميراً».. صدق الله العظيم عبد المجيد منصور عبد الله مصرفي سابق - ورئيس نادي الهلال الأسبق