تعرض الشاب ياسر عبد الصمد إلى إصابة بالغة في كاحله أثناء الدافوري نُقل على إثرها للحوادث وهو يتصبب عرقاً بعد أن كاد يفقد الوعي، وقام الأطباء بإجراء اللازم من إسعاف وأشعة ثم عمل الجبص الخاص بالكسور، ونصحه الأطباء بعدم الحركة لحوالى أسبوعين، انهال عليه الأهل والأحباب والجيران مكفِّرين وداعين له بالصحة، وخلال يومين سمع ياسر أكثر من خمسين رواية لكسور تم تجبيصها خطأ وتسببت في تعفن الأرجل وبترها، ويقول له البعض إن شعرت ب«بتنمل وخدر في الأرجل اعمل حسابك» وآخرون يصفون له الصداع والحمى بأنها بداية التعفن ونهاية الرجل.. أُصيب الشاب بالوسواس القهري وقطع الشك باليقين عندما جاءه قريبه من البلد في يومه الرابع وقال له أنا بعرف بصير خطير جداً وفي قلب أم درمان.. تحرك الجميع ونزلوا ضيوفًا أعزاء على «البصير» الذي أمر بإزالة الجبص ومسح على مكان الكسر بزيت السمسم ورجّها رجاً، محدثاً بذلك كسرًا آخر، ومشترطاً عليهم ألا يقوموا بعمل أشعة مرة أخرى، ثم ركَّب جبيرة خشبية ملفوفة ببقايا قماش قديم. خرج صديقنا وهو أشبه بمن فقد الوعي ولم يستطع أن ينام لثلاث ليال متتالية من فرط الألم الذي استعصى على جميع المسكِّنات فلم يجد بدًا من مراجعة الأطباء مرة أخرى وكان رأيهم بالإجماع محبطًا إذ تبين أن الكاحل قد تحطم ولا يوجد علاج غير إجراء عملية كبيرة يتم خلالها تثبيت الكسر بمسطرة وتكلف «8» ملايين جنيه!!. مشهد آخر أكثر إيلاماً عندما أُصيبت امرأة بحي أم درماني بسوء هضم طبيعي وهي مصابة بداء السكري، استخفّت به واعتمدت على النعناع والزبادي وكادت تشفى لولا أن جاءتها جارتها ونصحتها بأن تشرب حرجل وحلبة وسنمكة وشاي ليمون، وأضافت جارة أخرى أن تشرب «جردقة» وبعد ساعتين اصفرت أعين المسكينة فقالت لها امها «أقسم بالله عندك ايرقان» وتوجه الجميع للبصير «أبو منقد» ورجعوا بعد أن اشتمت المريضة رائحة شوائها... وبعد أيام تعفن مكان الشواء وأصيبت بغرغرينة. أسوق هذه الروايات ومتماثلاتها كثر في وقت يبحث فيه أطباء السودان ووزارة الصحة موضوع الخلايا الجذعية والموت الدماغي وتأجير الأرحام وقضايا الطب الحديث بين الشريعة والحياة.. فيا سادتي بوزارة الصحة سعيكم مشكور وجهدكم مقدر ولكن الأولويات وترتيبها هي أيضًا من مقاصد الشريعة وأعني بذلك الاهتمام بالرعاية الأولوية ورفع مستوى الثقافة لدى المواطن البسيط الذي لا يميِّز بين الجبيرة الخشبية والجبص. أفق قبل الأخير: نحتاج لمؤتمر يناقش قضايا جهل المواطن والمريض والمرافق له وكيفية الاستفادة من إدارة التثقيف الصحي وإدارات الإعلام المختصة ووسائل الإعلام المختلفة. أفق أخير:- بُترت رجل ياسر وتوفيت السيدة الأم درمانية.