ماذا بعد رفع الدعم عن المحروقات، تعويم الجنيه وآثاره، زيادة المرتبات، قضايا اقتصادية مربكة سيطرت على مفاصل الحديث في الدولة والمجتمع.. بحثنا عن مصادر خبيرة لتستجلي كنه ما يحدث الآن في الخارطة الاقتصادية والسياسية معاً فجلسنا مع البروفيسور عصام الدين بوب الخبير الاقتصادي علّنا نضع النقاط على حروف واقع السياسات الاقتصادية فماذا قال خلال هذا الحوار المطول.. تعويم الجنيه مؤشر لوضع اقتصادي مغاير.. كيف تنظر لهذا الواقع؟ في الحقيقة أن البلاد الآن تمر بمنعطف خطير جداً، وأنا كخبير اقتصادي أتحدث بصورة أكاديمية بحتة لا علاقة لها بالانتماءات السياسية، وأقول إن سياسة تعويم الجنيه السوداني ثم مساواة السعر الرسمي بسعر السوق يشكل خطراً على الاقتصاد السوداني، وفي مضمونه تخلي الدولة عن سياساتها الاقتصادية الكلية باعتمادها على كتلة نقدية أجنبية هي الدولار والعملات الحرة مما يؤثر أيضاً على نقل مخزن القيمة الوطني «الجنيه» ليصبح مخزن قيمة للدولار وهذا الأمر لا يحتاج لمزيد من الإثبات أو الدعم لأن مثل هذا المفهوم أصبح بقلب وعقل كل مواطن سوداني وأزمة الدولار الحقيقية سببها اندفاع الناس لتبديل الجنيه السوداني إما بعقار أو دولار وبالتالي يؤثر ذلك على حجم المدخرات والأموال الجاهزة للاستثمار والتمويل الوطني والذي بغاية الأهمية وليس كما يقول الكثيرون إنه يجب الاعتماد على الاستثمار الأجنبي، فلا توجد دول تم بناء اقتصادها اعتماداً على الاستثمار الأجنبي ولا يمكن أن يكون هو الملجأ الأول لأي حكومة لأنها بذلك تتخلى عن مسؤوليتها الأساسية وهي رسم السياسات الاقتصادية الكلية وتطبيق السياسات النقدية الرشيدة وكل هذا انعدم بالاعتماد على المخزون النقدي الأجنبي.. وبعد أقل من أسبوع أتى الحديث عن رفع الدعم عن المحروقات فلماذا؟ ونجد أن بعض المسؤولين في الدولة ومن يدّعون أنهم كبار الاقتصاديين يقولون إن السودان يستورد البترول من الخارج وبسعر مائة دولار للبرميل! فأين ذهب الإنتاج السوداني ولماذا تقول دعم؟ فهل الدعم يكون لبرميل البترول الذي يُنتج في السودان ويُكلّف حتى تصفيته وتحويله إلى بنزين وجازولين ومركبات أخرى لا يُكلّف أكثر من «18» دولارًا وإذا تعدى لا يصل إلى «20» دولارًا حين يقول المسؤولون إنه يكلّف مائة دولار فأين الحقيقة إذن؟ لذلك لا بد أن نتحلّى بالشفافية والتي تعني الصدق، والإسلام يحث عليها وهي مطلوبة لاقتصاد يتمتع بصحة جيدة ونحن الآن لا نتمتع بالشفافية أو الاقتصاد الصحي.. إذن كيف تقرأ تأثير قرار رفع الدعم عن المحروقات على الاقتصاد والمواطن والقطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة ونطاق النقل؟ أولاً لا بد من إزالة كلمة دعم المرفقة لأنها غير موجودة وغير حقيقية، لأننا في الحقيقة نتحدث عن فرض ضرائب وزيادة العبء الضريبي على المواطن عن طريق زيادة ثمن المحروقات وهي روشتة تُعبر عن سم زُعاف يقتل المواطن إضافة إلى ما حدث من إجراءات قبله تُسبّب المزيد من عناء المعيشة هو ليس بسياسي أو اقتصادي بل هو قرار كارثي، ولا أدري من أي مستوى من مستويات السلطة قد أتى ولكني أعتقد أن اللجان التي تمت مشاورتها في رفع قيمة المحروقات ولا أقول الدعم لم تفكر في أداء القطاعات الاقتصادية السودانية فعلى سبيل المثال إذا تم رفع الدعم بمعدل «20%» فمعنى هذا زيادة تكلفة الإنتاج في السودان بمعدل «40%» لأن رفع الدعم بمعدل «20%» يُحرك السوق والآلية بحيث يزيد عن الضعف ومن ثم ينتقل للمزارع ومنه للصانع وكل أطراف ومتغيرات الاقتصاد السوداني.. إذن على أي أساس تم حساب هذا الرفع وهذه الزيادة على قيمة المحروقات.. وإن فكرنا بطريقة بسيطة وهي أنه بارتفاع سعر المحروقات مع صدمة زيادة وتعويم قيمة الجنيه السوداني فمعنى هذا أنه يُؤثر على إنتاج الغذاء ونحن لنا ثلاث أو أربع سنوات نعيش في حالة انعدام الأمن الغذائي، فلماذا اخترنا هذا التوقيت لنتحدث عن هذا الأمر وسبق الحديث عن رفع الدعم زيادة سعر الدولار وقبله بيوم كان وزير المالية يتحدث عن تخفيض سعره إلى النصف، هذه سياسات مرتبكة وغير مرسومة لأن المواطن تأثّر نفسياً بمثل هذه الأقوال التي لا تعتمد على الأرقام والتي يعتمد عليها الاقتصاد بصورة كلية، وماذا نتوقع أن يؤثر على سعر مُدخلات الإنتاج وراتب المواطن الذي انخفض بصورة فعلية إلى أقل من «50%» من قيمته الفعلية، يضيف هذا إلى أنه طالما اتبعنا توصيات وسياسات المؤسسات المالية الدولية؛ فقبل حديث الحكومة عن زيادة قيمة المحروقات كانت هنالك زيارة من صندوق النقد الدولي وما إن ركبوا طائرتهم حتى خرج وزير المالية يتحدث عن زيادة سعر المحروقات.. فلماذا نتبع مثل هذه السياسات ولا نستنبط سياسات داخلية تبدأ بشفافية الاقتصاد وبالإصلاح وإعادة الهيكلة؟ أتعتقد أن هذا القرار فيه قسوة أم جبروت على المواطن السوداني؟ أُؤيد حديثك وبجانب أنه قرار عشوائي لعدم وجود الدعم الحقيقي فإنه عبارة عن وسيلة لفرض ضرائب مباشرة وغير مباشرة على المواطن بجانب العبء الضريبي الذي يتحمله حالياً ولهذا هو قرار قاسٍ ولم يُتخذ بحكمة ولم يُستشر فيه خبراء وعلماء ومن اتخذه في موقع لا يعيش فيه مع المواطن السوداني وسيتسبب بالمزيد من الكوارث الاقتصادية في السودان.. هل من اتخذ القرار لديه المقدرة على الاعتراف بخطئه أو محاولة مجابهته؟ لم نجد في تاريخ هذه الإدارة الاقتصادية أي اعتراف بخطأ، وعدم القيام بالخطوات الصحيحة يُبنى على أساس الأخطاء المرتكبة من قبل وهم بهذه الصورة أخذتهم العزة بالخطأ، وهذا القرار سيزيد الفوضى، والمصيبة أن الحروب تحيط بالسودان، وأتساءل هل العائد من هذا القرار سيذهب لمن يقفون على الجبهة؟ مجرد سؤال.. أيمكننا القول إنه بضغوط بعض البرلمانيين يمكن التراجع عن هذا القرار بعد أن أجازه مجلس الوزراء؟ لماذا يأتي هذا القرار من الجهاز التنفيذي ولا يأتي من البرلمان أو المجلس الوطني الذي إن لم تكن له قيمة في التشريع ووضع القوانين وتسعير السلع الأساسية فلا داعي له، ومن المفترض دستورياً أن يرضخ الجهاز التنفيذي للجهاز التشريعي ولكن يقول الجهاز التنفيذي ويُنفذ ويستمع البرلمان كأنه غير موجود.. الحكومة ربطت رفع الدعم عن المحروقات بزيادة الأجور.. فهل هذه خطوة سليمة؟ هذه هي الزيادة الفعلية التي تنتج عن تراكميات آليات السوق وبالتالي أي زيادة ترفع سعر السلع ولكن من أساسيات إعادة الصحة للاقتصاد تثبيت الأسعار وإن لم نستطع المحافظة على سعر الدولار فعلينا المحافظة على أسعار المواد الاستهلاكية المحلية، وزيادة سعر المحروقات يمثل أحدها لأنها سودانية لذلك علينا العودة إلى نظام البطاقات وتخصيص كميات محددة من المحروقات لاستهلاك كل مواطن ولكن لا يمكن أن نتذرع بالتهريب وأن العبء على الحكومة بل هي التي تُشّكل عبئاً على المواطن بقراراتها وإنفاقها الكبير وأخطائها الجسيمة، وأقول الآن إن الدولة أصبحت تصدر سياسات اقتصادية وإدارية فاشلة وأنا ضد زيادة الأجور، وأعتقد أننا نحتاج أولاً إلى تثبيت القيم الحالية رغم أنها كارثية ولكن المواطن يستطيع الحياة إذا ثبتت أسعار السلع ولذلك أرى أنه من الأفضل دعم السلع الاستهلاكية، لأن رفع الأجور ينتقل إلى ارتفاع السلع الأساسية للمواطن ولن يستفيد منها ولنا تجربة في ذلك، ولهذا رفع قيمة المحروقات أحد هذه الكوارث لأنها ليست فقط للسيارات بل للزراعة والصناعة وتؤثر مجملاً على الأداء الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم، فالآن نواجه ما يُعرف بالتضخم الراكد وهو زيادة أسعار السلع الاستهلاكية بالإضافة إلى ركود الاقتصاد السوداني أي أنه لا يدور ولا يعمل بصورة صحيحة واجتماع الاثنين يؤدي إلى كوارث اقتصادية وقد نبهت على ذلك خلال العام «2008م» وقد حدث الآن ما خشيتُه..