يا أخ إنت ليه ما بترفع التلفون؟. الموبايل بتاعك ده يرن ويرن لحدي ما يقيف وإنت ما بترد؟ هذا بالضبط ما يحدث. يرن الموبايل إلى أن أستغيث ولا أرد. والسبب ببساطة أنا أكون «مرتكباً» الشارع وسائقاً السيارة. ولأني لا أريد أن أرتكب شيئاً آخر فلا أرد. غير أنني أترك الموبايل في حالة صمت حتى أعود إليه وأجد الأرقام التي تسجلت وأرد عليها.. لأني لا ولن أستعمل الموبايل وأنا في حالة «سواقة». «ولم أر في عيوب الناس عيباً» كمشغلة الموبايل في السواقة لأن السائق المشغول دوماً يقاسي الويل من كتر الشلاقة إذا التركيز فارقه ثوان فلن يدري الجدار من الزقاقا وحين يجيئه خبر مثير فيضرب لخمة معها حماقة «نعيب شوارعاً والعيب فينا» ويكبر همنا بعد الإعاقة فجنب كي تتابع أي كولٍ خصوصاً تلكمو الونسة الدقاقة يوم السبت الماضي والساعة السادسة إلا ربعاً من المساء، لمحت شاباً يقود سيارة هونداي جياد رقم «..... خ 1 » بيضاء اللون قادماً من جهة عفراء ومتجهاً نحو الغرب.. لمحته من خلال المرآة وهو يتكلم في الموبايل وينفعل بقوة ويقود السيارة بيد واحدة. اليد الواحدة التي يقود بها السيارة هي اليد اليمنى التي «يعشّق» بها أيضاً، ويضع الموبايل على أذنه اليمنى ويمسكه بيده الشمال، ولما كانت اليد الشمال توجد بالجنب الشمال ويقع عليها العبء أن تمسك بالموبايل على الأذن اليمنى كان لا بد أن تعبر قفصه الصدري لتستقر يميناً. وهو في حديثه الإنفعالي ذلك يستخدم الفص الشمال من دماغه. كل هذا والسيارات من خلفه تزور عنه ذات اليمين وذات الشمال، ولو رأيته في حالته تلك وهو يتقلب في الشارع على غير هدى لوليت منه فراراً ولملئت منه رعباً. وأنا شخصياً خفت أن يصطدم بي وهو غير واعٍٍ بما يفعل. لقد تغيرت المناظر بعد أن هطلت علينا الموبايلات كالمطر. وتقانة متطورة لم يهبط معها سلوك متطور. وقد قال بديع الزمان الهمذاني في مقامته «الموبايل والجرح الهائل والحال المايل»: «وإنك لترى ذوات الثدي وهن سائراتٍٍ، ثيبات وأبكاراً، مكنكشات في موبايلاتهن وهن في غمرة إنشغالهن لا يدرين أنهن ربما يبدين زينتهن لغير بعولتهن. أو ربما يصطدمن بسائق هو الآخر قد انشغل بالحديث فلم يميز الطيب من الخبيث، فوقع في شر أعماله وضيع رأس ماله ويتّم عياله»، والسابلة ممن يعبرون الطريق وهم لم يتعلموا من الأغنام كيف تعبر الطريق وفي أذانهم يلتصق الموبايل فيسيرون غير مبالين وبمن حولهم غير واعين... وتبقى سلامتهم رهناً بوعي الآخرين. لقد تغير منظر الشارع العام إلى شخوص وشخصات متكلمين ومتكلمات وهم في حالة كلام دائم لا ينقطع إلا بانقطاع الرصيد: لو تتعطف يا سيدي داك يبقى يوم عيدي لو إنت ضعيف رصيدك بحول ليك رصيدي أو كما قال الشاعر في قصيدته العصماء «اجبر خاطري يا زول لو حتى بي مس كول» ماذا لو علمت أن الرصيد الذي حولته لها جعلها تتحدث وهي غير واعية بمن حولها حتى دهمها داهم من قبيلة بني حافلة أو بني أمجاد أو بني ركشة، وذلك أضعف الإيمان... في منتصف الطريق، فتطاير الكلام من رأسها وملأ الأسفلت كلمات متقاطعة؟ كم حادثة كان الموبايل قائدها والمخطط لها ومبرمجها، وفي اللحظة التي تزيح فيها نظرك عن الطريق وهي لحظة تقاس بجزء من الثانية يحصل المقدور وما بنفع «الجقليب». نريد موقفاً محدداً والتزاماً منا كلنا شيباً وشباباً وشابات، وكل من هبَّ ودبَّ وهو يحمل موبايلاً، أن نمتنع عن استعمال الموبايل ونحن نهم بعبور الطريق أو في حالة كوننا سائقين. ليس لأننا نخاف الغرامة، ولكن لأننا نعمل حساباً لأنفسنا ولأسرنا وللآخرين.. والحياة لنا ولسوانا. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل، وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أو تعبر الشارع. واغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.