ابن الطثرية، يزيد أخو زينب بنت الطثرية الشاعرة، قالت في رثائه: فتى قُُدّ قَدّ السيف لا متضائل * ولا رهل لبّاته وبآدله فتى لا ترى قدّ القميص بخصره * ولكنما توهى القميص كواهله إذا نزل الضيفان كان عذوراً * على الحيّ حتى تستقل مراجله ترى جاذريه يرعدان وناره * عليها عداميل الهشيم وصامله قلت: تريد أن أخاها قليل اللحم، يبدو كالسيف، هو الدقيق والقاطع، ثم هو العذور عند نزول الضيفان به، أي تعتريه حالة من الضجر والانزعاج، تراه لا يهدأ له البال إلا إذا قام بواجبات الإطعام والحفاوة والترحاب، مشمراً في هياج يواشك الجنون ليس خوفًا من إطعامهم، بل رغبة في ذلك، وهو في حالته أقرب لفقدان الوعي.. هذا يذكرنا بذاك الذي جاءه ضيوف وقت الغداء فكان في كل لحظة يذهب للمطبخ يراقب ويتابع.. وقد بلغ به اللاوعي أن حمل (هبّابة) جعل يهب بها (البوتجاز) في حماس!! عسى ناره تتقد، فتنضج الطعام ويطعم الضيوف!!. انظر كلمة زينب (تستقلّ مراجله) هي اللحظة التي كان ينتظرها صاحب (الهبابة) حين ترفع قدور الطعام عن النار، دالة النضج ثم بشارة الإطعام. قلت: انظر: قلّ: رفع، مما نعرفه في كلامنا. قلت: في أمثالنا: الكريم أروش.. والروش لغة خفّة تعتري الإنسان، فالكريم تعتريه الحالة فيواشك الجنون عند رؤيته الاضياف. حكى لي الراحل الصديق الفذّ الأستاذ الطيب محمد الطيب عليه الرحمة، صنوفاً ممتعات من روش أهلنا الجعليين عند (بيوت البكاء) عند قدوم المعزّيين، ما إن يراهم صاحب الدار حتى يسعى لاستقبالهم في اندفاع وهياج، يجعله يطأ بأقدامه كلّ الذي أمامه من ناس ومتاع، فيكسر ما انتشر على البروش من الكبابي والأطباق والصواني يطيحها في اقتدار، بل ربما في فورته اعتلى رقبة واحد (ففكّها) أو وطئ بطن نائم، أو قدح عصيدة يتوسط جماعة.. فيعلق بقدمه منها أصنافاً يخالطها المُلاح.. ولكن صاحبنا يذهب لمقصده لا يلوي على شيء ولا يبالي!!.. قال لي عليه الرضوان إن واحدًا منهم رأى جماعة مقبلة عليه وكان وقتها يأكل مع جماعة في (صينية) وهنا اعترته الحالة فانتفض (كالعصفور بلله القطر) واقفاً مندفعاً نحوهم (دغري) في حماس وإسراع، وهو يردد بأعلى صوته رافعاً يديه للسماء.. الفاتحة.. الفاتحة.. وكان أن توسط صينيّة الطعام بقدميه الأحرشين، وكسر من الصحون ما كسر، وتطاير من الملاح واللحم ما تطاير.. لم يسلم حينها سالم من شرّه وصاحبنا لا يبالي.. لم يقف اندفاعه حتى التقاهم، وتقبل العزاء وأجلسهم وحادثهم وأطعمهم، وما اعتذر لأولئك المساكين عمّا بدر منه من الروش، فهو (عذور) كأخ زينب بنت الطثرية، ثم يعرفه أصدقاء كثر حدثوني في لوم وعتاب. قلت لهم: إن الأمر ليس بيدنا.. هذا ما زرعوه فينا!! بخ.. بخ!!.. قلت: اخوات (روش): روش وهوشوشوشورهش... إلخ كلهن بالمعنى الواحد المتقارب وفي دائرته لغة معنى الاضطراب والحراك والجنوح والجنون!! ثم انظر القول: هشّ وبشّ (أنت لا تعدم في معانيّه: الاضطراب وليد الطرب ولعل خاصيّة حرف الشين المنتشي تقوي هذا المراد بالتفشي والانتشار!!. لطيفة الرئيس الأزهري: لطيفة رواها الأستاذ الكبير علي حامد عن السيد الرئيس الأزهري عندما قال له الأستاذ يحيى الفضلي: عايزين نحصر عضويّة الحزب ياريس، فقال له الرئيس: طلِّع ناس حزب الأمة وسجِّل باقي الشعب السوداني كلّه. قال يحيى الفضلي: لكن يا ريس باقي الشعب السوداني فيه الشيوعيون.. فأجابه الرئيس: الشيوعيون ذاتهم أشقاء، بس متشدّدين!.. * عن كتاب لمحات من تاريخ حزب الأشقاء علي حامد صديقي: قال الإمام الخطابي معجم الأدباء 4/142: قد أولع الناس بالتلاقي والمرء حببّ إلى حواه وإنما منهم صديقي من لا يراني ولا أراه