«الدواء المُر»، و«البتر» و«عملية شفط الدهون»، و«العلاج بالكي» هذه كلها تشبيهات وأوصاف أطلقها مسؤولون في المؤتمر الوطني على الإجراءات التقشفية ومحاولات إنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي الذي أخذ بتلابيبها مطلع العام الحالي وبلغ منتهاه في الشهرين الماضيين الأمر الذي أرغم الحزب الحاكم على إجراءات صعبة تبدو فعلاً أشبه بعملية «البتر» لإزالة الأورام السرطانية وتشبه إلى حد كبير عملية «شفط الدهون» التي يُقبل عليها المريض كأمر حتمي لأن الخيار المقابل لها «تضخم القلب» الذي هو الطريق القصير إلى الرفيق الأعلى... البتر وتجرع الدواء: إذن لم تعد هناك خيارات أمام المؤتمر الوطني سوى هذا أو الطوفان، لذلك كان لابد أن يُقبل على عملية «البتر» وتجرع «الدواء المر»، وإزالة كل الأورام والشحوم، لذلك كان لا بد من تكوين الوزارة الجديدة من عناصر صلبة، ذات خبرات متراكمة، تغلب عليها العقلية الأمنية ومن أهل الثقة والولاءات العالية التي تستشعر الخطر القادم أكثر من الآخرين، ويتعاظم لديها الشعور بخطورة الطوفان القادم إن لم تحسن الأداء علاوة على قدرتها على حسن التدبير والتصرف، بخلاف القيادات التي ظلت تدمن الفشل ولا تطولها المحاسبة لأنها لا تتكئ على خبرات حقيقية تؤهلها لتولي المواقع التي شغلتها، خلال الفترات السابقة.. وبما أن «90%» من التقليص سيتم ضمن حصة المؤتمر الوطني فإن محور تحليل وتفسير تلك الإجراءات يدور حول «الرجال» الذين يتوقع أن يتبرع بهم المؤتمر الوطني لصالح سياسة التقشف، والذين سيبقي عليهم، والذين يتوقع إعلانهم اليوم.. والسؤال الذي نطرحه هنا ونحاول الإجابة عنه بشيء من الموضوعية واستنادًا إلى معطيات محددة هو: مَن هم الوزراء الذين يُتوقع أن يتخطاهم «سيف» التقشف ولماذا؟. وعليه نشير على سبيل المثال إلى: عوض الجاز يعتبر الدكتور عوض الجاز من أصلب العناصر الإنقاذية، وعلى درجة عالية من الخبرات المتراكمة في مجال صناعة النفط، هذا فضلاً عن كونه من الشخصيات التي تجمع بين الخبرات الأمنية والإستراتيجية، والاقتصادية وهو من آل البيت الإنقاذي الذين يعول عليهم المؤتمر الوطني في عملية الخروج من المأزق الاقتصادي الذي ربما يطيح الحكومة إن لم تجدِ محاولات الإفلات من مصيدة الانهيار.. وقطعًا الجاز من الشخصيات الإنقاذية التي تعمل بمبدأ الكتمان وسرية المعلومة وتدير أخطر الملفات وبسياج من التكتم وبعقلية أمنية اقتصادية إستراتيجية، يصعب اختراقها. علي محمود تختلف مبررات وجود علي محمود في الطاقم الوزاري الجديد عن الأسباب التي استبقت عوض الجاز في الوزارة إلى حد كبير، فوجود محمود في وزارة المالية حتمه إمساكه بملف الإصلاحات الاقتصادية والدفاع عن سياسة التقشف، وتماشيه مع الدعوة لتقليص الدستوريين وتخفيض مخصصاتهم كمخرج من الأزمة وحماسه الشديد لتطبيق هذه السياسات الإصلاحية التي يبدو ظاهريًا أن علي محمود هو عرّابها، كما أن وجوده في وزارة تعد هي منصة الإصلاحات الاقتصادية بلا منازع جعله المشرف الأول على العملية الجراحية لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، هذا فضلاً عن مبررات سياسية ذات طابع جهوي وقبلي تتعلق بملف دار فور. بكري وعبد الرحيم ينظر كثيرٌ من المراقبين إلى إستمرار شخصيات عسكرية في الحكومة مثل عبد الرحيم محمد حسين وبكري حسن صالح رغم تساقط زملائهما في مرحلة التحول إلى ما يُعرف ب «الشرعية الدستورية» من زوايا متعددة، الأولى محاولة الاحتفاظ برمزية المؤسسة العسكرية في الحكم وضمان استمرار تأييدها من خلال تمثيلها بشخصيات نافذة في الحكم، ومعلوم أن بكري حسن صالح يمسك بأخطر الملفات الأمنية العسكرية وهو ملف المعلومات الاستخبارية، وما يقال عنه في هذا الصدد يقال أيضًا بدرجة أقل عن عبد الرحيم محمد حسين، والثانية احتفاظ البشير شخصيًا بأبناء الدفعة الذين وقفوا معه بصلابة إبّان صراع معسكري «القصر» و«المنشية» بخلاف محمد الأمين خليفة وآخرين آثروا الخروج المبكر من وحل السياسة مثل عثمان أحمد حسن وأبو صالح، وعليه يمكن القول إن الرجلين يبدوان وكأنهما متلازمة من متلازمات حكم الإنقاذ عبر مراحله المختلفة. كمال عبداللطيف كمال عبد اللطيف من العناصر المهمة بالنسبة لحكومة الإنقاذ، ويحظى بثقة كبيرة لدى الرئيس البشير وقيادات نافذة في المؤتمر الوطني، وقد أسندت اليه كثير من الملفات الخطيرة ذات الطبيعة الأمنية والاقتصادية،التي أدارها بنجاح، وكمال عبد اللطيف، كما يتراءي للكثيرين يشبه عوض الجاز في كثير من الصفات الإدارية، وما يقال عن عوض الجاز يمكن أن يقال عنه بدرجة أقل. عبدالحليم المتعافي رغم الجدل الكثيف الذي يدور حول عبد الحليم المتعافي والانتقادات التي توجه لإدارته للوزارة وسياساته الزراعية، يُتوقع أن يستمر الرجل في منصبه وزيرًا للزراعة، ويمكن أن يُقرأ بقاؤه في الوزارة من زاوية كونه من العناصر الصلبة في الدفاع عن الإنقاذ إلى جانب خبراته الإدارية وعقليته التجارية والاستثمارية، خاصة أن هذه المرحلة الحرجة بالنسبة للحكومة تتطلب رجالاً يحسنون التدبير للخروج من المأزق بعقلية تجارية لا تخلو من «الشطارة»..