الخرطوم - فاطمة مبارك : بهرام عبد المنعم هل تستوعب الحكومة الجديدة المستجدات الاستثنائية التي أفرزها انفصال الجنوب؟ هذا السؤال ظل يطرحه المراقبون للساحة السياسية منذ وقوع الانفصال عمليا في 9 يوليو 2011م. الحكومة كذلك على ما يبدو كانت تدرك حجم هذه التحديات التي تنتظرها خاصة بعد اندلاع الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق وتوتر العلاقات مع دولة الجنوب الوليدة، هذا بجانب تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة خروج البترول من المالية العامة للدولة. { لهذا السبب أرجئت الحكومة أكثر من خمسة أشهر أخضع فيها التشكيل للنقاش والحوار وانضم حينها إلى هذه الطاولة حزبا الاتحادي الديمقراطي الأصل وحزب الأمة القومي وابتُدر حوار مستفيض حول قضايا جوهرية إلى أن خرج حزب الأمة القومي على الناس ببيان أعلن فيه انقطاع حواره مع الوطني بحجة الاختلاف حول ما سماه الأجندة الوطنية لكن استثنى رئيسه مؤخرا مشاركة ابنه عبد الرحمن الصادق المهدي كمساعد لرئيس الجمهورية بحجة عدم انتمائه إلى الأمة الأمر الذي دعا الناس إلى حديث عن أن مشاركته تعني مشاركة الصادق المهدي من وراء الستار وأيا كان السبب فإن مشاركته ونجل الميرغني جعفر الصادق أثارت ردود فعل عنيفة داخل حزبيهما ووسط بعض عضوية المؤتمر الوطني، أما الحزب الاتحادي الديمقراطي فقد فضل خيار مواصلة الحوار بالمقابل فضل المؤتمر الوطني الانتظار لأطول فترة ممكنة لعله يظفر بشريك مؤثر يحدث التغييرات المطلوبة ووضح ذلك عندما قال الرئيس في مؤتمر حزبه التنشيطي العام مؤخرا: «إننا لم نؤجل إعلان الحكومة لضعف فينا لكن رغبة منا في اشتراك القوى السياسية». وعموما بعد مخاض عسير وطول انتظار أعلن المؤتمر الوطني أول أمس عقب اجتماع لهيئة قيادته التشكيل الوزاري الجديد وقبل أن يعلق الناس على هذا التشكيل أبدوا دهشتهم لإعلانه من داخل حزب المؤتمر الوطني بوساطة د.نافع علي نافع الذي لم يعلنه من موقع المسؤول كمساعد لرئيس الجمهورية لأن البيان وفقا لتقديرات المختصين لم يكن رسميا من رئيس الجمهورية ووفقا للقراءات الأولية أن الحكومة جاءت دون التوقعات خاصة أن المشاورات الطويلة والتكتم على الوزراء القادمين أعطى الناس إحساسا بأن هناك حكومة استثنائية قادمة بمفاجآت كبيرة توازن حجم التحديات. بعض عضوية الحزب الحاكم لم تكن بعيدة عن هذا الفهم حيث وصف عدد كبير منهم الحكومة ب(المحبطة) أو كما قال القيادي بقطاع الشباب عبد السخي عباس إن التشكيل خلف حالة أشبه بالإحباط ويقول عبد السخي: كنا ننتظر إصلاحا وبرامج لإصلاح الوضع القديم الذي ترك إفرازات غير مطمئنة وغير مرضية لنا كشباب في الوطني حتى الشباب الذين كانوا في الوزارة أخرجوا منها وهذا الوضع يخلق حالة انقطاع بين الأجيال في التدريب على قيادة البلاد لاحقا. { بعض منسوبي الاتحادي الديمقراطي من جانبهم عبروا عن استيائهم وأكدوا أن الحكومة المعلنة لا تعبر عن الوزن التاريخي للحزب وقالوا إن فترة الحوار كانت كفيلة بإخراج حكومة مقنعة، وتحدثوا عن غياب رموزمؤثرة ومؤهلة مثل حاتم السر والحاج ميرغني عبد الرحمن والشيخ حسن أبو سبيب وعلي نايل وعلي السيد وتاج السر محمد صالح وبابكر عبد الرحمن، ويبدو أن الميرغني لم يتمكن من إقناعهم بينما شاركت شخصيات غير معروفة حسب تقييمهم تفتقد الخبرة ولا تستطيع الاندماج مع وزراء المؤتمر الوطني في إدارة دولاب العمل الوزاري، خصوصاً أولئك الذين أدمنوا (الكنكشة) في المناصب من منسوبي (الوطني). { البعض الآخر توقع أن لا تلبي شراكة حزبهم مع المؤتمر الوطني تطلعات القواعد على ضوء الاختيارات التي تمت لكن لم يستبعدوا أن يشكل الرافضون للمشاركة ضغطا على الحكومة من خلال مراقبتهم لأداء وزرائهم وربما جنحوا إلى العديد من الأساليب. { كذلك فوجئ بعض المقربين من الحزب الوطني بعدم دخول مكي علي بلايل الذي كان أقرب إلى هذه التشكيلة وقيل إن الوزارة المرشح لها تمت تسميتها وربما ما زالت الفرصة متاحة لإلحاقه بها لكن عدم ظهور اسمه ترك لديهم أكثر من استفهام. { الحكومة لم تخرج من الموازنات القبلية والتنظيمية المعهودة حيث أعيد وزير المالية علي محمود في موقعه رغم أن المالية تعتبر من أكثر الوزارات التي تحتاج إلى إعادة النظر ليس قدحاً في علي محمود فهو اقتصادي متخصص لكن تقديرا للحالة الاقتصادية المتدهورة وقبل ذلك تحدثت بعض الأوساط المسؤولة عن مغادرة الوزير لكن من الواضح أن الحكومة أرادت بإعادته إرسال رسالة لأهل دارفور بأن الوزارات السيادية ستظل من نصيب أبنائهم والحال كذلك بالنسبة لوزير العدل محمد بشارة دوسة الذي احتفظ بمنصبه هو الآخر، في ظل تحديات كبرى وتحولات مرتقبة على صعيد الدستور والأداء العدلي بصورة عامة منوط بها أن تهيئ الساحة للمشاركات الحزبية. { المؤتمر الوطني لم يكتف بهذه الإشارات بل حاول هذه المرة التكثيف من هذه المعادلات حيث تم ترجيح كفة أبناء دارفور في الحكومة إلى درجة جعلت الناس يسألون هل لهذه الخطوة علاقة بحل المشكلة؟ وفي ذات السياق جيء بإبراهيم محمود حامد وزيرا للداخلية ممثلا لأبناء شرق السودان. { إبراهيم محمود كان رئيسا المؤتمر الوطني بولاية كسلا 1997م – 2001م، ورئيس المؤتمر الوطني ولاية نهر النيل 2001م – 2002م، وأمينا لأمانة الزراع والرعاة بالمؤتمر الوطني 2002م – 2005م، ومن ثم رئيس المؤتمر الوطني ولاية كسلا 2005م – 2008م. { عوض أحمد الجاز عاد إلى وزارة النفط مرة أخرى لأسباب قد تكون مقنعة؛ إذ الجاز كان ممسكا بهذا الملف وأحدث فيه إنجازات مقدرة والآن تم إرجاعه في وقت أصبح فيه البترول من المشاكل الشائكة بين الشمال والجنوب ويحتاج إلى شخصية تجمع بين السياسة والخبرة والمهندس علي أحمد عثمان عرف بخبرته في هذا المجال لكن لا يمتلك الأبعاد السياسية التي تؤهله الى إحداث اختراق في البترول لاسيما أن تصريحه الأخير بإيقاف تصدير بترول الجنوب وجد رفضا من قيادات في حزب المؤتمر الوطني الأمر الذي أدى إلى تعديله في اليوم الثاني، وعوض الجاز رجل جمع بين السياسة والخبرة ومن أوائل رجال الإنقاذ.. عمليا الآن قيل إنه التقى المبعوث الصيني الذي أوفدته بلاده لإحداث تقارب بين الشمال والجنوب في موضوع البترول قبل أداء القسم. { الجاز زامل بجامعة الخرطوم علي عثمان محمد طه، ود. قطبي المهدي (سبقه بسنة)، ود. نافع علي نافع، وتاج السر مصطفى وأحمد إبراهيم الطاهر (سبقه بسنتين)، وزامله د. بشير عمر وزير المالية الأسبق والزهاوي إبراهيم مالك، ود. لام أكول أجاوين. ولم يشارك د. عوض الجاز منذ انضمامه إلى الإخوان المسلمين في عمل تنظيمي مفتوح نسبة لاختياره للعمل التنظيمي السري. وعندما تم قبوله للعمل في مركز تطوير الإدارة والكفاية الإنتاجية (مركز تطوير الإدارة حالياً) كان يسكن في منزل بضاحية (بري)، إذ أنه نذر نفسه لخدمة زملائه تطوعاً منه. وغطت بصمة د. الجاز العلمية والعملية على شخصيته في كل المرافق التي تقلدها واستطاع بحنكته وذكائه أن يقود كل المؤسسات إلى سلم التطور والمجد. له خبرات عملية تشهد له بها المؤسسات التي قادها فأوصلها إلى غاياتها المؤسسية، ومن بين المجالات التي عمل بها أن كان محاضراً بمركز تطوير الإدارة. { في بند الحرس القديم للإنقاذ كان على الدوام إسم الفريق بكري حسن صالح حاضراً. تم اختيار الرجل لوزارة شؤون الرئاسة، أما رصفاؤه تحت ذات المسمى – الحرس القديم – فلا يمكن أن نغفل إسم الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين الذي سيستمر في منصبه وزيراً للدفاع، وأسامة عبدالله بوزارة السدود. { اختيار هذه الشخصيات لم يكن مستبعدا باعتبارها معروفة بقربها من الرئيس البشير، والوزارات التي أعيدوا إليها سيادية. { حسين شغل العديد من المناصب الوزارية السيادية من بينها حقيبة الداخلية وبداهة فإنه وبحكم منصبه الحالي هو المسؤول الأول عن ملف دارفور لأنه يتعلق بالأمن والاستقرار الناجم عن وجود صراع عسكري. { إن كان ثمة إشراق في التشكيل المعلن فلن يتوقف الكثير عند اسم وزير الري سيف الدين حسن عبدالله، بيد أن الرجل القادم للمنصب من قلب الوزارة يرى فيه الكثيرون حلم التكنوقراط الذي راود الناس في أماني الحكومة التي انتظروها كثيراً. خارج دائرة المحاصصة السياسية والموازنات القبلية، كانت المؤهلات والخبرة هي فقط التي أتت بوزير الري حيث تم ترفيعه من داخل الوزارة لأنه كان ممسكا بملفات كبيرة ويعلم تفاصيلها. { وهناك وجه نسائي آخر لفت انتباه المتابعين؛ وزيرة الدولة بالاتصالات عزة عمر عبدالكريم، التي تنتمي إلى المؤتمر الوطني وتعتبر من أصغر الوزراء في الحكومة الجديدة. { الصحة الاتحادية من الوزارات التي أرجئ إعلان وزيرها وربما تعود الأسباب إلى مشاكل الصحة والصراعات التي تدور في هذه المؤسسة ووفقا لبعض التسريبات فإنه من المتوقع أن يعود الدكتور مندور المهدي وزيراً لها.