لا أدري لماذا ينزعج المسؤولون كل هذا الانزعاج من المظاهرات والاحتجاجات.. مع أن الدستور يكفلها والقانون ينظمها؟! لماذا؟! إن التعرض للمتظاهرين بعبارات السخرية والاستهزاء مخالفة دستورية.. ينبغي أن تنزِّه السلطة نفسها عنها.. لأنها حارسة للدستور وفوق ذلك فإن السخرية والاستهزاء يحركان الاحتجاج والتعبير زلة أخلاقية ينبغي لأهل الدعوة أن يترفعوا عنها.. لأنهم حراس الدعوة.. والدعاة إلى الله لقد استشرت هذه الظاهرة بين كبار المسؤولين وكنا لا نستغربها من بعضهم.. ولكن انضم إليهم نفر أزعجنا والله انضمامهم إليهم.. أصلاً.. نحن لا نرى سبباً للانزعاج.. ولو حدثنا أحد المسؤولين واستنطقناه حول ما يدور في الساحة لما وجد كبير عناء في التعبير عن زهده في المنصب وأن المنصب تكليف لا تشريف وغرم لا غنم.. فما دام الأمر كذلك فإن الأمر لابد أن ينجلي عن أحد أمرين: إما خطأ المتظاهرين في مجرد الخروج والتظاهر.. لعدم توفر الداعي له.. أو في خطأ المسؤولين مما يقتضي مراجعتهم لقراراتهم التي أشعلت شرارة الاحتجاج. إن القول بأن المتظاهرين خلفهم قوى تدفعهم للتظاهر وأن التظاهرات لن تسقط النظام.. وأن المحرش ما بكاتل وأن المعارضة أضعف من أن تُسقط النظام .. وأشياء من هذا القبيل.. وبعض التهديدات الأخرى.. كل هذه الأشياء والأقوال.. تصب مزيداً من الزيت على النار. وهي تشير إلى درجة عالية من التوتر لدى المسؤول الذي صدرت عنه هذه العبارات. بل وتشير حقيقة إلى بعده عن فهم متطلبات المركز القيادي المرموق الذي وفرته له الأمة لينوب عنها في علاج أدوائها وأمراضها.. وأن يكون أباً للجميع ومربياً.. وناصحاً وتفيد أيضاً حقيقة بُعده عن الدور الدعوي الذي لولاه ما قدمته جماعته لتسنم هذا المنصب الذي يعده هو غرمًا لا غنمًا.. وتكليفًا لا تشريفاً.. إن الحقيقة الماثلة التي لا ينبغي أن تستفز أحداً.. ولا ينبغي أن تُغضب أحداً ولا ينبغي أن تثير حفيظة أحد.. هذه الحقيقة تقول.. إن التدابير الاقتصادية الأخيرة قد ألقت على كاهل المواطن عبئاً ضخماً لا يجد ولا يعرف المواطن كيف يستطيع تحمله.. ولا من أين يسد عجزه. والمواطن في هذه الحالة في أشد الحاجة إلى التطمين وحسن الخطاب.. لا إلى الاستعداء والاستفزاز. إن الله سبحانه وتعالى يقول لنا «وقولوا للناس حسنا» ويقول سبحانه وتعالى «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً» ويقول جل من قائل «وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد» وقال تعالى «ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون». وأعقب ذلك بذكر الكلمة الأخرى فقال تعالى «ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار». الكلمة الطيبة.. كشجرة طيبة.. طيبة تربتها.. طيب ماؤها طيبة ثمارها.. كثيرة الإنتاج والثمار.. في كل حين والكلمة الخبيثة.. شجرة خبيثة.. لم يقل تؤتي أكلها بل قال «اجتُثت من فوق الأرض» فكأنها عقيم لا تنتج ولا تثمر.. وإذا كانت هي شجرة الحنظل فهي لا تنتج ولا تثمر إلا الشر والكره والبغضاء.. وقال تعالى:«محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار».. أبعد كل هذا لا تجد الإنقاذ إلا الفظاظة في القول وإلا التلويح بعصا التأديب. والله إن كلمة واحدة من مسؤول تسير بها الركبان تعبر عن شعور بالتضامن أو إحساس بالألم أو وعد بالمشاركة.. وأين هذا كله من قول عمر رضي الله عنه عام المجاعة مخاطباً بطنه «قرقري ما شئت أن تقرقري والله لا تأكلين إلا كما يأكل الناس».