«لن نذل ولن نهان، ولن نطيع الأمريكان».. شعارات رفعتها ثورة الإنقاذ وهي تصعد لسدة السلطة في يونيو «1989» معلنة عبرها إشراق شمس الدبلوماسية التي ستسطع للتعامل مع العالم، وبمثلما يرى البعض أن دبلوماسية «ثورة الانقاذ» أودت بالبلاد في أنفاق العلاقات المظلمة يعتقد عدد من المدافعين عنها أن الثورة التي أطاحت نظام الحزبية الثالثة نجحت في قيادة علاقات متوازنة مع الدول المعادية للسودان واقتربت بدرجة التواؤم بعلاقاتها مع جهات كثيرة، وفي حصاد «23» عامًا هي عمر الإنقاذ استطاعت ان تبني صرحًا من العمل الدبلوماسي المختلف بحسابات الخسارة والربح والجمع مابين الإنجاز والإخفاق في التقدم بالعلاقات وتأخير بعضها وقطع الآخر ومقاطعته، وإن كانت المسألة الأخيرة مقلقة لكثيرين وقد رفضت تلك الدبلوماسية المنهج للإنقاذيين السكون لمنطق وعلم العمل الدبلوماسي المنظم علميًا وانصاعت وراء السياسات المتقلبة مما حدا بأحد المسؤولين بالصف الأول بوزارة الخارجية لانتقاد تصريحات المسؤولين السياسيين بعنف وقوله إن الدبلوماسية السودانية أرهقتها «عملية الترقيع» لتصريحات المسؤولين السياسيين. ورسمت التصريحات المتضاربة والرؤية الشخصية بعضًا من ملامح دبلوماسية الإنقاذ في كثير من الأوقات السابقة وأحاطت بمعصم العملية الدبلوماسية برمتها ما يعني هنا أن الدبلوماسية عامة لم تنقذها الخطوات العلمية في النجاة من حبل دبلوماسية الانفراد بالقرار الأحادي التي اتبعتها ثورة الإنقاذ في كثير من المواقف مثلما يعتقد بعض المراقبين إبان عملية التأييد لعملية غزو العراق لدولة الكويت. لكن في المقابل حققت دبلوماسية الإنقاذ نسبة معقولة من النجاح في عملية بناء علاقات قوية ومميزة عادت بالنفع على الإنقاذ مع دول مثل الصين وروسيا وإيران وغيرها من دول القوى الشرقية في وقت فشلت في التناغم مع القوى الغربية، وفضلت دبلوماسية الإنقاذ الاتكاء على حائط الخلاف معها وسط خطوات للحوار قدم خطوة والتراجع خطوتين في إجواء حوارية لم تفلح في حل عقدة الصدام مثل ما يحدث بملف العلاقات السودانية الأمريكية، واستطاعت دبلوماسية الإنقاذ حشد التعاون والتوافق مع دول آسيوية كبيرة بجانب غالبية الدول العربية والإفريقية ودول المحيط وتجاوزت في الأثناء بعض الخلافات مع دول المحيط الإفريقي مثل دول تشاد ومصر وليبيا عقب نجاح الثورات في تغيير أنظمتها الحاكمة التي عركت معها دبلوماسية الإنقاذ الخلاف في مواقع ومواقف كثيرة. نسبة النجاح الدبلوماسي لا يمكن قياسها بالعلاقات المباشرة مع دول بعينها حيث أصبح العالم في الوقت الراهن يقر مبدأ دبلوماسية التحالف المباشر مع مجموعة من التكتلات والجماعات بحسب ما يرى المهتم بالشؤون الدبلوماسية د. بشير الطيب، ويعتقد أن قياس نسبة نجاح دبلوماسية الإنقاذ طوال فترة حكمها للسودان يقع تحت مرمى التساوي بين النجاح المرتبط بالمصلحة الحزبية والفشل في إدارة الملف بصفة كاملة، ويضيف قائلا ل«الإنتباهة» أن دبلوماسية الإنقاذ عجزت في أوقات كثيرة عن تجاوز مطبات وقضايا مصيرية لكنها في الوقت نفسه قادت بنجاح خطوات عظيمة في إلغاء و«سحق» كثير من عمليات الاستنزاف التي حاولت الدول الغربية نسج خيوطها حول السودان، ويرى د. بشير أن دبلوماسية الإنقاذ نجحت في إدارة علاقات متميزة مع الدول الآسيوية وبعض الدول الغربية ودول أمريكا اللاتينية وبعض الدول الإفريقية بيد أنها فشلت في انتشال سوء العلاقة مع دول وجهات أخرى من قاع الخلافات مثل يوغندا وبعض دول الجنوب الإفريقي، ويذكر: «أوقعت دبلوماسية الإنقاذ البلاد في أكبر مأزق بعلاقتها المتأرجحة مع دولة الجنوب» بحسب قوله، ويجزم بأن دبلوماسية الإنقاذ عانت في أوقات مبكرة من مبدأ الريبة والحذر الذي استقبلت به عديد من الدول الغربية وأمريكا وصول ثورة الإنقاذ للحكم في «89».. ويقول «هذه أكبر مشكلة باعتبار أن تلك الجهات رأت أن الثورة التي قلبت النظام تشمل نسبة هائلة من الإسلاميين» ويردف «الترحيب الدولي بالإنقاذ في ذاك الوقت كان محيطه الحذر والريبة وهذا ما أوقع الدبلوماسية في كثير من الأحيان بمطبات قاتلة». وعلى صعيد التوفيق في قيادة الملفات الدبلوماسية أفلحت دبلوماسية الإنقاذ في الخروج من باب النجاح بعدد من القضايا التي أحاطت بالسودان في أوقات مختلفة مثل حشد التأييد الداخلي والخارجي الرافض بشدة لقرارات مدّعي المحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو في حق رمز البلاد الرئيس البشير، وقادت الدبلوماسية معارك ضارية بلغة القتال الدبلوماسي ضد القرارات بضم اسم السودان لقائمة الدول الداعمة للإرهاب بجانب فرض العقوبات الاقتصادية على الخرطوم في العام «1997» من جانب الولاياتالمتحدة، وخاب أمل عدة جهات في القضاء على النظام عبر الضغط الدبلوماسي بنجاح الدبلوماسية السودانية في قيادة البلاد لبر الأمان، كذلك نجحت الدبلوماسية أخيرًا في إسكات أصوات المنتقدين داخليًا للقرار «2046» لمجلس الأمن.. على كلٍّ يبدو أن دبلوماسية الإنقاذ اعتادت الأجواء العكرة والأوضاع المدغمسة حتى إنه في إحدى المرات قال الرئيس البشير وبشيء من السخرية عندما يصمت عنا الغرب نسأل أنفسنا: «الغلط فينا شنو؟!».