كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن القطن المحوَّر وراثيًا وأصبح حديث المدينة حيث اختلفت الآراء حول زراعته ما بين مؤيدٍ ومعارض بشدة دون أن تحمل تلك الآراء في جعبتها دلائل يمكن أن تفك طلاسم القضية ولعل الصدفة هي التي قادتني؛ لأن التقي بأول من اكتشف القطن المحوَّر في السودان، فالرجل له تجربة طويلة مع السلامة الحيوية بدأت محليًا وانتشرت إقليميًا وشارك في لجان كثيرة ذات علاقة بالسلامة الحيوية (الإنتباهة) جلست إليه لمعرفة المزيد عن قضية القطن المحوَّر في الحوار التالي: بدءًا ما هو القطن المحوَّر وراثيًا؟ هو القطن العادي منقول إليه صفة مقاومة ديدان اللوز بواسطة تقنية الهندسة الوراثية ما يعرف ب (BT) اختصارًا لبكتيريا موجودة في التربة تصيب يرقات ديدان اللوز ومنذ عام «1960» كانت تستخدم كمبيد حيوي تنمى في مختبرات وتنتج وتعبأ لرشها في الحقول بجانب استخدامها في المكافحة الحيوية لديدان اللوز، مما يؤكد أن العالم المتقدم له تجارب أكيدة معها ويؤكد سلامتها على الكائنات الأخرى، حيث استخدمت كبديل للمواد الكميائية العادية وبعد دخول تكنولوجيا عزل الموروثات تم عزل الجين من البكتيريا وإدخاله في القطن. ما هي قصة اكتشافه؟ بدأت التجربة مع القطن في البحوث الزراعية بود مدني في شهر نوفمبر «2009م» بعد عودتي من الخارج حيث أخبرني زملائي بمشاهدتهم لقطن يحمل لوزًا بكثافة كبيرة بالمزرعة الصينية والغريب في الأمر لم يلفت ذلك انتباه أي أحد من الهيئة بأن يكون القطن محوَّرًا وراثيًا وفورًا بدر إلى ذهني أنه طالما أن القطن يحمل لوزًا كثيرًا لا بد أن يكون محورًا وراثيًا وقمت بأخذ عينة منه واتصلت بمسؤول دائرة الأمن الزراعي بالأمن القومي العميد أحمد محمد عثمان لجهة أنني باحث ولا تنطبق عليَّ صفة الرقابة الذي حضر من الخرطوم إلى مدني بعدها ذهبنا إلى الفاو لمقابلة الصينين لرؤية المزرعة، واتضح فيما بعد أن الصينين أنفسهم يجهلون حقيقة القطن المزروع بالمزرعة؛ لأن معظم القطن الذي تتم زراعته في الصين محوَّر بجانب إحضارهم مجموعة من الأصناف بغرض تقييمها ومدى صلاحيتها في السودان بالمركز الصيني وتم استيراد أصنافًا من ضمنها القطن المحوَّر وأخذ عينات لمعامل البحوث واكتشف بأن القطن محور وراثيًا حينها تم تحرير خطاب لمدير عام هيئة البحوث الزراعية بتاريخ «6/12/2009م» يحمل جميع تفاصيل نتائج الفحص وتحذيرات بوجود مخالفات قانونية تبعًا لإجراءات برتوكول قرطاجنة وقدم الخطاب لوزير العلوم والتكنولوجيا وقتها بروفيسور إبراهيم أحمد عمر الذي بدوره ناقش الخطاب مع وزير الزراعة د. عبد الحليم المتعافي، وبعد نقاش طويل بدوائر الدولة المختصة توصلوا إلى كيفية الاستفادة من هذه التكنولوجيا وبالتالي قدمنا النصح لهم بتوفيق أوضاع القطن عبر اتباع ما ينص عليه برتوكول السلامة الحيوية باستجلاب المعلومات والعينات الكافية عنه ومدة زراعته في الصين إضافة لتهيئة المعمل لفحصه وفقًا لما نص عليه البرتوكول مما يدخل القطن في إطار التقييم المحصور الذي لا يستوجب مساءلة قانونية على حسب البرتوكول بعدم منع دخول الأصناف المحوَّرة بغرض التقييم المحصور مما ينفي وجود مخالفة قانونية في إدخاله. لمَ الإصرار على استيراده كبذور بدلاً من إنتاجه محليًا؟ بداية العمل تركزت في تجربته في السودان لمعرفة مدى ملاءمة الجين وهذا المنتج مملوك لشركات ومن حسن الحظ لدينا علاقات طيبة مع الصين؛ لأن الشركات الكبرى التي تنتج هذا المنتج أمريكية تحاول جاهدة لحظر التكنولوجيا عن السودان فمنذ أعوام مضت بدأنا في محاولات لإدخال هذه التكنولوجيا خاصة أنها أدخلت في دول إفريقية ولكن دون فائدة ويعد دخول المنتج عن طريق الصدفة صحيحًا يمكن أن إنتاجه محليًا ونقله للأصناف وفعليًا بدأنا بإنتاج البذور في مراحل متقدمة من نقل صفة مقاومة اللوز في صنف عابدين حامد بركات، إلا أن رغبة الدولة الأكيدة في التوسع في الإنتاج عمدت إلى استيراد البذور في السنة الأولى لاستغراقه زمنًا طويلاً لزيادة كمية البذرة وأتوقع أن عملية الاستيراد سوف تكون لهذه السنة فقط إذا استوردنا لخمسين ألف فدان يمكن أن نزرع العام المقبل مائة ألف فدان والتوسع في المساحات الزراعية ويستغرق نقل الجين للأصناف السودانية حوالى «3» سنوات. ما هي الإجراءات التي تمت لفحص القطن؟ تم تكوين بيوت محمية مستوردة من أجل الحشرات وحماية المحصول من البيئة في ثلاثة مواقع في شمبات مركز البحوث والتقانة الحيوية والفاو بالمركز الصيني ومدني بمحطة بحوث الجزيرة تحت إشراف المنسق القومي للقطن بروفيسور أحمد محمد مصطفى التجربة الأولى للقطن كانت محصورة تمامًا ومغلقة تحت إدارة البحوث في عام «2010م» وتمت زراعة الصنفين المحوَّرين مع أصناف سودانية (عابدين وحامد) وتمت كل التجارب المختبر فيها ممثلة في الجين ومدى تأثيره على الحشرات خاصة حشرة دودة اللوز المصرية والإفريقية وكونت لجنة مصغرة للطواف بالمواقع الثلاثة إضافة للاجتماعات الدورية وجلبت الحشرات من مدينة سنار وتوزيعها داخل التجربة المحمية حتى ظهرت النتائج بأن القطن لا تصيبه حشرة دودة اللوز، وكان الفرق واضحًا ما بين القطن البلدي والقطن المحوَّر وراثيًا كما تم إجراء تجارب داخل المختبر تختص بتربية الحشرات داخله وتكون حشرة كاملة تنتج بيضًا ويتم متابعته من أول يوم يفقس فيه البيض يتم إدخاله في أنابيب وتغذيتها من القطن المحلي والمحوَّر مما اتضح جليًا أن الحشرات تموت من خلال الأوراق المحوَّرة في ثلاثة أو أربعة أيام أما في حالة الحشرات الكاملة فهي لا تموت مما يؤكد أن تأثير السم خفيف جدًا يؤثر في الطور الأول إذ أن الحشرة تضع البيض على الأوراق ومن ثم دخول اليرقات إلى اللوز وعادة يتم مكافحتها بالمبيدات في الأسبوع الأول، إضافة إلى تأثير هذا الجين على مكافحة دودة اللوز المصري والإفريقي الأمر الذي أكد بصورة غير مباشرة عدم توفر سميات بالقطن. هل تم تكرار التجربة؟ تم تكرار التجربة في العام الثاني بنفس المواقع الثلاثة وكانت النتائج ثابتة حيث تم عملها في الغيط الخارجي في الدمازين والقضارف وسنار وتوسيع الفريق المتابع للمقارنة بالمواقع القديمة ولم نجد أي فرق كما أن الفروقات في الإنتاجية كانت واضحة تمامًا بين القطن المحوَّر وغير المحوَّر وظهرت بصورة جلية في الفاو التي أصيبت في السنة الماضية بدودة اللوز بكثافة حيث حقق إنتاجية ما بين «5» إلى «6» مرات عن القطن العادي وصادق على زراعته بشرط المتابعة.