ان عدداً محدوداً من الافراد المنتمين لقطاع الشمال «غير المسجل» كانوا يطمحون بلا وجه حق في أن تتفاوض معهم الحكومة في عاصمة أجنبية وتبرم معهم اتفاقية شبيهة باتفاقية نيفاشا ويتم التوقيع عليها بحضور وشهادة عدد من المراقبين الدوليين والإقليميين وسط زخم إعلامي هائل وتبعاً لذلك يتم اشراكهم في السلطة في كل مستوياتها السيادية والتنفيذية والتشريعية الاتحادية والولائية والمحلية أي انهم ارادوا ان يحلوا محل الدستوريين والتنفيذيين الجنوبيين الذين انفصلوا وفقدوا مواقعهم بالشمال ولكي يحقق هؤلاء هذا الهدف اخذوا يكثرون الحديث والثرثرة الفارغة عمّا سمّوه الجنوب الجديد وطفقوا يهددون بأن الحكومة اذا لم ترضخ لهم فانهم قادرون على تحقيق اهدافهم بالمواجهات العسكرية وحمل السلاح وكثر تبجحهم وهرطقتهم واعلنوا مراراً وتكراراً بأن لهم خلايا نائمة في العاصمة وسيحولون المعركة للخرطوم بالاضافة للاطراف.. واعلن عقار ان الحكومة اذا لم تستجب لمطالبهم فانهم سيجتاحون القصر الجمهوري الذي كان يمني نفسه بأن يدخله عن طريق الاتفاقية المزعومة الموؤودة ليحل محل سلفا كير نائباً اول لرئيس الجمهورية ممثلاً للجنوب الجديد المزعوم وقد مدت لهم الحكومة حبال الصبر طويلاً حتى حسب الكثيرون ان بعض اطرافها تعاني من اللين الذي يبلغ درجة الضعف.. وفي الانتخابات التي أجريت في ابريل من العام الماضي رفع عقار في النيل الازرق شعار «النجمة اوالهجمة» وأعلن انهم سيُحدثون اضطرابات وفوضى أمنية اذا لم يفز في الانتخابات وفتحت صناديق الاقتراع للمرة الثانية وأُعيد عدها وفرزها مرة اخرى واعلن فوز مالك عقار وكانت الاغلبية الفائزة في المجلس التشريعي من حزب المؤتمر الوطني.. وان الذين يعرفون ولاية النيل الازرق معرفة جيدة كانوا يدركون ان دمج التنظيمين يمكن ان يحدث بسهولة ويسر بعد الوصول لصيغة توفيقية ليتسنى للجميع التفرغ لتكريس جهودهم لتنمية ولايتهم.. وكان المؤمل هو تسريح قوات الحركة الشعبية بالولاية وإعادة دمجها او ايجاد بدائل لمنسوبيها بعد وضعهم للسلاح وانخراطهم في الحياة المدنية بعد اخذهم لحقوقهم كاملة غير منقوصة من قيادتهم العامة السابقة بجوبا عاصمة الجنوب. ويؤكد الكثيرون ان مالك عقار كان يبدي مرونة عندما يكون بالدمازين ولكنه ينقلب مائة وثمانين درجة عندما يكون بجوبا او في غيرها ويأخذ هناك في اطلاق التصريحات النارية والعنتريات لانه ملوي الذراع ويدرك ان قادته في الجنوب وسادتهم في أمريكا واسرائيل ودول الغرب بكل منظماته الكنسية والصهيونية واليهودية يمسكون الوثائق والمستندات وأرقام الحسابات في البنوك ولذلك فإن عقار وغيره من صنائعهم مضطرون للدوران في فلكهم وأنوفهم راغمة في التراب ويدرك عقار انه اذا خرج عن طوعهم فإن بإمكانهم احتجازه واعتقاله او تصفيته جسدياً.. وقبل فترة صدر بيان ممهور باسمه انتقده فيه نائبه عبد العزيز الحلو عندما هاجت وماجت الحركة الشعبية تبرأ من هذا البيان تماماً ورمى المسوؤلية على غيره دون ان يحاسبه لأنه هو الذي امره بإصداره وماورد فيه يمثل رأيه الشخصي الحقيقي ولكنه اضطر للتبرؤ منه. وعند إجراء الانتخابات الأخيرة بجنوب كردفان اهمل عقار مباشرة مسؤولياته الرسمية بالدمازين وولايته وكان شبه متفرغ لتلك الحملة الانتخابية واخذ ينتقل بين جوبا وكادقلي هو وآخرون واعادوا ترديد ذات شعارهم القديم «النجمة أو الهجمة» وأرادوا الابتزار للمرة الثانية ولكنهم ووجهوا هذه المرة بشعار مضاد «يا هارون يا القيامة تقوم» وعند ظهور نتائج الانتخابات التي اتفق كل المراقبين في الداخل والخارج على نزاهتها فاز هارون بفارق ضئيل بينه وبين منافسه الحلو ومرد الفرق الضئيل بين المتنافسين ان عدداً لا يستهان به من المنتمين لحزب المؤتمر الوطني ببعض مناطق غرب كردفان امتنعوا عن التصويت وبذلك ضاعت اصوات كثيرة على هارون وكانت الغلبة في المجلس التشريعي الولائي للمؤتمر الوطني ولكن حصول الحركة الشعبية على عدد من الدوائر في تلك الانتخابات يؤكد ان لها وجودًا في تلك المناطق ينبغي ان لا يُستهان به وكان يمكن الوصول لصيغة توفيقية لحكم تلك الولاية ولكن الحلو الذي لا يملك إرادته كان أداة طيعة في يد غيره فغرروا به وزادوه وهمًا على اوهامه واخيراً هام على وجهه واختبأ في الجبال مدعيًا انه سيقوم بحرب عصابات وبالطبع فإن القوات المسلحة الباسلة وكل القوات النظامية لا يمكن ان تقف مكتوفة الأيدي ليعربد التمرد كما يشاء وادت واجبها المنوط بها القيام به حفظاً للامن وبسطًا للسلام وكالعادة اخذت ابواق القوى الاستعمارية الاجنبية تولول وتتحدث عن المقابر الجماعية والتطهير العرقي وتنشر الاكاذيب ويدرك سكان الولاية قبل غيرهم ان ولايتهم نالت الاهتمام الرسمي في التنمية والخدمات واعادة التعمير في السنوات الأخيرة مالم تنله في أي عهد آخر منذ عهد الاستعمار الذي جعل جبال النوبة منطقة مقفولة مروراً بكل العهود الأخرى وقد ارادت القلة المتنفذة في قطاع الشمال غير المسجل تقسيم الأدوار لتكون جبال النوبة منطقة حرب ومحرقة وأداة ضغط لترضخ الحكومة وتتفاوض مع قطاع الشمال غير المسجل الذي يدعي انه يمثل الجنوب الجديد المزعوم وعهدوا قيادة المفاوضات لعقار الذي كان يسعى «للتهويش» احياناً بادعاء انه سيقوم بحركة عسكرية في النيل الازرق اذا لم تصل معهم الحكومة لاتفاقية وكان يدرك قبل غيره ان القوات المسلحة الباسلة ستسحق أي حركة يقومون بها ولذلك سعى رئيس الوزراء الإثيوبي السيد ملس زناوي ليتوسط بينه وبين الرئيس البشير لاستئناف المفاوضات ويبدو ان الرئيس كان واضحاً وأغلق الباب في وجهه ومما يدعو للحيرة ان المفاوضات المشار اليها لا تتعلق بالأوضاع في النيل الازرق وجبال النوبة فقط ولكن المفاوضين من جانب قطاع الشمال غير المسجل ارادوا الجلوس على كرسي الوصابة والأستاذية للتفاوض مع الحكومة باسم الشعب السوداني الذي لم يفوضهم للتفاوض باسمه وفرض برنامجهم عليه وهم ليسوا أوصياء عليه ولكن من الواضح انهم يسعون لإرضاء القوى الأجنبية وتنفيذ مخططاتها تسديداً للفواتير.. وعندما يئسوا ارادوا سلوك طريق آخر فعقدوا مع بعض الحركات الدارفورية المتمردة اتفاقية كاودا. وقد كان عقار في وضع غريب وهو الوالي الذي يحكم ولاية النيل الأزرق ويرأس لجنة أمن الولاية التي تضم ممثلي كافة القوات النظامية وفي ذات الوقت فهو قائد المتمردين الذين كانوا منخرطين في جيش الحركة الشعبية أي انه كان حاكماً ومتمرداً في وقت واحد وفي هذا تناقض يؤدي لاضطراب في التفكير. ونأمل ان توجه الحكومة نداءً لكل المتمردين ليضعوا السلاح وعليها استيعاب من يضع السلاح من تلقاء نفسه في القوات النظامية اذا كان مستوفيًا لشروط الخدمة او السعي لإيجاد بديل يكفل له العيش الكريم وان على هؤلاء المقاتلين أن يسعوا سعياً جادًا لأخذ حقوقهم وحقوق ما بعد خدمتهم من قيادتهم العسكرية السابقة بدولة الجنوب اذ لا يمكن ان تظلمهم حكومة الجنوب وقيادتها العسكرية ولا تمنحهم حقوقهم وفي ذات الوقت تريد ان تتخذهم خميرة عكننة وادوات لبث الاضطرابات وزعزعة الامن وسط اهلهم بالشمال وينبغي بعد ذلك تصفية كل المليشيات ونزع السلاح منها اذ ان وجودها يعني وجود دولة داخل الدولة. وبالنسبة لقطاع الشمال غير المسجل فإن الكثيرين من المنتمين اليه يسمعون بالأنباء مثل الآخرين ولا يمكن تحميلهم كلهم اوزار قلة تتصرف بطيش ونزق مدفوعة بنزوات وطموحات ذاتية جامحة او لتسديد فواتير صرفتها من القوى الأجنبية . وعلى المنتمين لهذا القطاع ان ارادوا ممارسة حقوقهم السياسية ان يسجلوا حزبهم مثل عشرات الأحزاب الأخرى.. ولكنهم لا يتمتعون بميزات تفضيلية تتيح لهم اجراء مساومات ومفاوضات باسم الشعب السوداني الذي لم يفوضهم ليكونوا اوصياء عليه. وان الوطن الغالي يعلو على الحكومة والمعارضة وعلى الجميع ان يقفوا في هذه الظروف مساندين للقوات المسلحة الباسلة مادياً ومعنوياً لبسط الامن وإرساء دعائم السلام وحفظ الأرض والعرض. وان ما جرى مؤخرًا بالنيل الأزرق يدعو للأسى والحزن وقطعًا قد فقدت أرواح أبرياء لا ذنب لهم تغمدهم الله بواسع رحمته وكتب الشفاء للجرحى والمصابين. وبالحكمة والتأني والصبر وسعة الأفق يمكن اعادة اللحمة والسلام والوئام بين مواطني النيل الأزرق كافة.