أعلن عددٌ من المسؤولين في الاتحاد الأوربي في نهاية الأسبوع المنصرم أن منظمات الإغاثه الأجنبيه ينبغي أن تعمل في معسكرات تقام للاجئين في النيل الأزرق وجنوب كردفان بلا قيد أو شرط وبلا إبطاء وتأخير، وتزامنت هذه التصريحات المتوالية مع إبرام الاتقافيات بين جمهورية السودان ودولة الجنوب في أديس أببا والتي بموجبها سيتم فك الارتباط بين الفرقتين التاسعة والعاشرة وبين قيادة جيش الحركة الشعبية بالجنوب، وهذا يعني أخذ المنضوين في هاتين الفرقتين لحقوقهم من قيادة جيش الحركة الشعبية بدولة الجنوب وإنهاء علاقتهم العملية به وتسريحهم والعمل على استيعابهم بالقوات النظامية في وطنهم أو إيجاد بدائل توفر لهم العيش الحُر الكريم وهذا يتبعه بالضرورة إعادتهم جميعاً لأهلهم في قراهم ومدنهم بالنيل الأزرق وجنوب كردفان دون حاجة لإقامتهم في معسكرات إغاثه تذل إنسانيتهم وتحط كرامتهم وتجعلهم عطالى وعالة على غيرهم ويصبحون أشبه بالمتسولين مكسوري الخاطر مع استغلالهم واستعمالهم أدوات ضغط والمساومة بهم والمتاجرة بأسمائهم في أي مفاوضات وأتخاذهم وسائل وسلالم للصعود لمقاعد السلطة والجاه ولو كان هؤلاء الذين بتحدثون باسمهم صادقين وكانت دوافعهم إنسانية لا انتهازية رخيصة فإن الواجب الأخلاقي يفرض عليهم ألا يتخذوا هؤلاء محرقة ودروعاً بشرية بل إن عليهم السعي وعلى جناح السرعة للحصول على حقوق ما بعد خدمتهم في الجيش الشعبي مع إعادتهم لأهلهم مكرمين معززين بعد دمجهم في القوات النظامية أو إيجاد بدائل أخرى لهم كما ذكرت آنفاً، ولكن المؤسف أن هناك قلة من المنتمين لقطاع الشمال تريد أن تتخذ من الفرقتين التاسعة والعاشرة أداة ضغط ليفاوضهم النظام الحاكم ويتفق معهم على منحهم نسبة من مقاعد السلطة على كل المستويات الاتحادية والولائية في السلطة التنفيذية والتشريعية وفي الخدمة المدنية ويؤازرهم ويقف من خلفهم عددٌ من الخواجات بالخارج ليكون هؤلاء شوكة حوت في حلق النظام الحاكم وفي حلق الوطن. وإن الخيال الشاطح والطموحات الفائتة للحد وتزيين الباطل والانسياق وراء استشارات أصدقاء السوء الذين رفعوا الشعارات الحمقاء «يا النجمة يا الهجمة» هي التي أدت للتصرفات الهوجاء الرعناء والمآسي الدموية وبقليل من التروي والتفكير الهادئ الواقعي وبلا انقياد أعمى خلف الآخرين وأجندتهم الخاصة المضللة كان يمكن للأوضاع في المنطقتين أن تأخذ مساراً آخر وعقب ظهور نتائج الانتخابات في عام «2010م» وتكوين حكومة النيل الأزرق وممارستها لعملها برز تيار مؤثر من المنتمين لحزب المؤتمر الوطني بالولاية كان ينادي بتوحيد الصف ولم يكن لديهم مانع أن يتشاوروا مع القيادة الاتحادية بالخرطوم للوصول لصيغة يتم بموجبها توافق وسط مكونات الولاية بعد حوار يتم مع الوالي المنتمي للحركة الشعبية وإن وصل الطرفان لأرضية مشتركة لم يكن لديهم مانع أن يصبح الوالي رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني بالولاية ويتفرغ الجميع لخدمة ولايتهم بلا صراعات وتوترات وشد وجذب ولكن يبدو أن البعض قد أوهموه بأن مكانه الطبيعي هو القصر الجمهوري وريثاً لسلفا كير ونائباً أولاً لرئيس الجمهورية وقائداً للجنوب الجديد ومنفذاً لمشروعهم الذي يطلقون عليه «السوان الجديد» ولا يليق به أن يحصر نفسه في ولاية النيل الأزرق وحدها وكانوا يريدون جعله كحصان طروادة ومن خلفه «يعوسون كما يشاءون» ومن خلاله يحققون أهدافهم ومراميهم بالتضافر مع حكومة الجنوب وبسند ودعم سخي من القوى الأجنبية. أما في ولاية جنوب كردفان فقد جرت قبل قرابة العام والنصف انتخابات لمنصب الوالي ولمقاعد المجلس التشريعي الولائي وفاز الوالي مرشح المؤتمر الوطني على منافسه ونائبه وصديقه السابق مرشح الحركة الشعبية وكان فارق الأصوات بينهما بضعة آلاف وكانت الأغلبية في المجلس التشريعي الولائي للمؤتمر الوطني وكان للطرف الآخر عدد من الفائزين ووجود في المجلس يقارب الثلث وإزاء ذلك كان من رأي كثير من حكماء وعقلاء الولاية والمركز أن يستمر الائتلاف الحكومي واقتسام السلطة وفق نسب تراعي نتائج الانتخابات سعياً منهم لحفظ التوازن وإرساء دعائم الأمن والاستقرار والعمل المشترك وفق برنامج تنموي وخدمي واضح المعالم وبدعم وسند مالي من المركز مع فتح القنوات لكل المانحين والمستثمرين من الخارج ولكن تدخلت ذات الأطراف الخبيثة الرافعة لشعار «يا النجمة يا الهجمة» وأجهضت هذا الحلم ومن ورائهم القوى الأجنبية المحرضة والداعمة المشار إليها وقد خططوا ونفذوا الهجمات العسكرية الغادرة التي نجم عنها قتل أبرياء ستظل أرواحهم معلقة في رقاب أولئك وقد تصدت القوات المسلحة الباسلة وصدَّت ذلك العدوان ولقَّنتهم درساً لن ينسوه، والمعلومات عن أحداث تلك الفترة معروفة للجميع. والآن تأتي فرصة ذهبية لإخماد نيران الفتن والمواجهات في المنطقتين وتدعم كل القواعد هذا الاتجاه ويتداعى أهل المصلحة والواطئون على الجمر لبسط رايات الأمن والاستقرار والمجال مفتوح واسعاً لأهل المنطقتين بلا حجر على أحد بما في ذلك والي النيل الأزرق السابق ونائب والي جنوب كردفان السابق شريطة التخلي عن الحسابات الذاتية والطموحات الشخصية. وإن الذين وقَّعوا أسماءهم عند تقديم طلب تسجيل الحركة الشعبية كحزب عند مسجل الاحزاب في عام «2005م» قد غادر أكثر من تسعين في المائة منهم السودان وأصبحوا أجانب في دولة أخرى هي دولة الجنوب وتلقائياً أصبح الحزب محلولاً ولا وجود له في كشوفات الأحزاب المسجلة ولكن كان ولا يزال من حق الذين كانوا ينتمون فيه لقطاع الشمال أن يتقدموا بطلب جديد لتسجيله مع اتباع كل الإجراءات المعروفة بعد ذلك من تقديم لبرنامجهم مع إرفاق قوائم بالمتقدمين لتسجيله مع الالتزام بالعمل السياسي السلمي ومن ثم يُفتح باب العضوية عند إخطارهم بالموافقة رسمياً على تسجيله ويتم التصعيد لمستويات الحزب المختلفة وعلى رأسها المؤتمر العام الذي ينتخب قيادة الحزب وأمانته العامة ومكتبه السياسي وعليهم بعد ذلك أن يستعدوا منذ الآن لخوض الانتخابات القادمة في عام 2015 في كل مستوياتها إن أرادوا والملاحظ أن الكثيرين من الذين كانوا منتمين لذلك القطاع قد لزموا الصمت بعد الانفصال وانكبوا على أعمالهم وبالطبع لا حجر ولا وصاية فكرية عليهم وصناديق الانتخابات هي التي تثبت الأحجام الطبيعية لكل حزب والمؤكد أن الكثيرين منهم أبرياء ولا علاقة لهم بالتخطيط أو التنقيذ لما جرى من فتن ومواجهات دموية في جنوب كردفان والنيل الأزرق وعلى المنتمين للقطاع توفيق أوضاعهم السياسية والحزبية عن طريق مفوضية تسجيل الأحزاب ولكن هناك قلة تتحدث بأسمهم زوراً وتتصرف كما تشاء وتريد أن تساوم بالفرقتين التاسعة والعاشرة بإحداث قلاقل أمنية في المنطقتين للضغط على النظام الحاكم ليتفاوض معهم من أجل مشاركتهم في السلطة، ويدعم هذا الاتجاه ويحرض عليه ويقف من خلفه بعض الخواجات في الخارج الذين يصرون حتى اللحظة على ضرورة التفاوض مع القلة المتنفذة في القطاع وهدفهم من ذلك هو إشراك قطاعهم في السلطة ليكون شريكاً مناكفاً، وهدف الخواجات هو خلخلة وإضعاف نظام الإنقاذ ومشروعه الحضاري ومحاربته بمشروع حاكم مضاد له هو مشروع السودان الجديد وهم يدركون أنه لا يمكن أن تحدث هذه الخلخلة إلا بآليات السلطة ولن يستطيعوا القيام بهذا الدور بغيرها وإذا رفض نظام الإنقاذ الحاكم هذا الخيار المفروض عليه فالمحتمل أن يسعى بعض المنتمين لقطاع الشمال لإحداث بعض القلاقل الأمنية والفرقعات الإعلامية. وأن قيادة النظام الآن أمام امتحان حاسم يُملي عليها ضرورة الإصرار على تنفيذ الاتفاقيات وإنهاء العلاقة بين الفرقتين التاسعة والعاشرة وقيادة جيش الحركة الشعبية وعدم الاعتراف بأي فرع سياسي وحزبي لها في السودان وإيقاف دعم حكومة الجنوب للحركات الدارفورية المتمردة.