عرف السودانيون الهجرة منذ وقت ليس بالقصير وتعددت وجهات الاغتراب وكانت أولى رحلات الاغتراب دولة مصر منذ أواخر الخمسينيات وخاصة أبناء الشمال الذين عملوا في سلاح الهجانة وحرس الحدود والقوات النظامية إبان حكم الملك فؤاد، وتوسع السودانيون وخاصة النوبيين في شمال الوطن من هجراتهم لدولة مصر مع سهولة وقرب مصر من تلك المناطق النوبية عبر الرحلات البحرية، وشكل النوبيون وجودًا وحضورًا متميزًا في كبرى المدن المصرية في شكل تجمعات في أحياء بعينها داخل تلك المدن الرئيسة، وكان مولد أول جمعية لأبناء دنقلا بالقاهرة في العام 1937م ثم توالت الجمعيات حيث أصبحت لكل أبناء قرية بعينها جمعية وللجمعيات دور ريادي ومتميز في خدمة المغتربين من أبناء المنطقة حيث يجمع تلك الجمعيات أبناء المنطقة في السراء والضراء، وتشكل هذه الجمعيات الوجهة الأولى التي يقصدها القادمون لأرض المهجر من أبناء المنطقة حيث تتكفل الجمعية برعايتهم ومساعدتهم في توفير السكن والبحث عن العمل بجانب الاستفادة من تجارب الذين سبقوهم في المهجر وعادة ما يطمئن وجود تلك الجمعيات أسر القادمين الجدد لوجودهم بين أقربائه في المهجر ليكونوا عونًا وسندًا لهم في المهجر وفي ظل صعوبة التواصل بين المغتربين والوطن آنذاك ظلت تلك الجمعيات مصدرًا جيدًا لكل ما هو جديد من مناطقهم وأسرهم والوطن عبر القادمين والمسافرين للقرية والمنطقة المحيطة به بل يوجد لدى كل جمعية صندوق خاص للوارد والصادر من رسائل الأهل والأحباب في انتظار القادمين والمسافرين طبعًا هذا ما كان في السابق.. ويعتبر ليومي الخميس والجمعة مذاقًا خاصًا عند الجمعيات في حضرة الأكلات البلدية وتبادل الأحاديث والحكاوى الجميلة والتواصل الاجتماعي، بجانب تبادل هموم وقضايا المنطقة ولا يخفى على أحد المساهمات المتميزة لتلك الجمعيات في دعم وإنشاء المرافق العامة في تلك المناطق من مدارس ومساجد ومستشفيات وغيرها من الخدمات بجانب إنشاء جمعيات تعاونية لمشروعات زراعية ضخمة في تلك المناطق وكانت أول جمعية زراعية في العام 1935م من أبناء مشو مما ساعد في إنعاش تلك المناطق ووفر فرص عمل جيدة لأهلهم وعشيرتهم بجانب الأدوار الاجتماعية والثقافية والرياضية في المهجر وعبر تلك الكيانات شكل النوبيون في المهجر أروع الأمثلة التكافلية واعتبرت تلك الجمعيات مدارس متميزة وخرجت لنا قادة العمل العام في المهجر ليكونوا في الصفوف الأمامية لتكن القضايا الوطنية من أولويات اهتماماتهم وظلت تلك الجمعيات تلعب دورها المتميز في كافة المناسبات القومية إذ كانت تقوم بمقام السفارة قبل استقلال السودان وظلت تلك الدور مقرًا لكافة السودانيين القادمين وبذلك شكلت تلك الجمعيات النوبية في المهجر أنموذجًا تكافليًا واجتماعيًا وثقافيًا ووطنيًا.