صلاح حسن موسى غريبة، مهندس ميكانيكي إعلامي وكاتب صحفي ومحلل سياسي.. من أبناء الأبيض درس بها المراحل التعليمية ثم التعليم العالي بالقاهرة جامعة حلوان، التقته «النافذة» في حوار جمع بين طياته أشجان الغربة وآلامها بعيداً عن الأهل والوطن فكانت هذه الجلسة الخاطفة متنفساً له فماذا قال: ٭٭ كيف بدأت غربتك وما هي الدوافع؟ مرحلة الدراسة بجامعة حلوان كانت بداية الاغتراب عن الوطن، وكنت في مرحلة الشباب الأولى وأتحسس طريقي في الحياة، فكانت القاهرة أولى محطاتي وتلاها الاغتراب الجماعي مع مجموعة من الشباب بعدد من الدول الأروبية وعدنا نحمل الشهادات الدراسية والروح الشبابية للانطلاق وتعمير البلد.. واصطدمنا ببعض العوائق في العمل بما يعرفون بالرانكرس وهم المهنيون الذين يتحينون الفرصة لتسلق السلم الوظيفي ليصبحوا ذا شأن في الإدارة بدون مؤهلات مكتفين بخبراتهم التراكمية واحتد الصدام فآثرنا أن «نهرب» من هذا الواقع بقرار الاغتراب الحقيقي وكانت السعودية هي محطتي الأخيرة.. ٭٭ كيف تصف لنا الواقع العملي في المملكة العربية السعودية؟ بصورة عامة مدينة الرياض تتوفر بها الفرص الوظيفية وقد مررنا بعدة مراحل في عملية التوظيف، وفترة الثمانينيات وما قبلها كان العمل فيها متوفرًا ويوجد قبول على العمالة السودانية ثم مرحلة ما بعد حرب العراق والتي تقلصت الفرص فيها وأصبحت هنالك تجاوزات في المهن وتبادل بينها، فالمحامي تجده سكرتيرًا وغيره، وحاليًا يوجد انفتاح، ولكن لشرائح معينة وهي الشرائح الأكاديمية رغم أن بقية الشرائح تصارع من أجل الحصول على الوظيفة، ولكن في ظل منافسة حادة وتدني في الأجور وظروف عمل غير مناسبة، ولذلك نجد أن الرياض من المدن التي تتوفر فيها فرص العمل أكثر من بقية مدن وأرياف المملكة بحكم أنها العاصمة وفي طور البناء والتشييد.. ٭٭ ما هي الإسهامات التي قدمتها الحكومة السودانية للعودة الطوعية للمغتربين في السعودية؟ ملف العودة الطوعية ملف شائك، وأصبح متعثرًا في الآونة الأخيرة، فالدولة لم تقدم أي تسهيلات لحالات العودة الطوعية، ولم تقدم أي إنجاز في هذا المجال، فأصبحت الكثير من الأسر بحاجة ماسة للعودة الطوعية الكريمة، فهذه الأسرة قامت وترعرعت في المهجر، وعودتها لا بد أن تُعالج بأسلوب خاص ولذلك أؤكد أن إهمال ملف العودة الطوعية فيه اساءة لسمعة السودان في دول المهجر بسبب تصرفات شائنة من بعض الأفراد والأسر والتي لا تشبهنا. ٭٭ ماذا عن مساهمة المغتربين في حل أزمات البلاد الاقتصادية والسياسية؟ كان للمغتربين دور كبير في حل أزمات السودان خلال الفترات الزمنية الماضية، فهم دعامة اقتصاد السودان، وسوف يساهمون في تخفيف حدة الأزمة الحالية بالرجوع لدفع المساهمات الوطنية والتحويل عن طريق المصارف الوطنية والمساهمة في طرح الحلول عبر الاقتصاديين والأكاديميين والعمل على محاربة الحرب الإلكترونية التي تبث من الخارج لتأجيج الشارع السوداني.. ٭٭ هل للجمعيات الطوعية أي دور في جمع السودانيين المغتربين ومساعدة بعضهم؟ الجمعيات أو الروابط أو الاتحادات في السعودية ساهمت في جمع السودانيين ومساعدتهم، وهناك جمعيات أخرى ساعدت ثقافياً واجتماعياً وفنياً، ولكن تنقصها الإدارة والضوابط المالية والمرجعيات. ٭٭ بحكم تجربتك في الغربة.. اعطنا مقارنة سريعة لشهر رمضان ما بين السودان والسعودية؟ رمضان في السودان يتسم ببعض الموروثات التي ما زالت جزءًا من المدينة الحديثة في المجتمع السوداني ويتصف بنكهة روحانية وصبغة خاصة، ويتميز بالإفطار الجماعي في الطرقات والشوارع والإفطارات الأسرية المتبادلة، والإفطارات الجماعية في الأندية الشبابية ويجمله أكثر نكهة الآبري المشروب الأساسي وبقية الوجبات والمشروبات الأساسية بجانب البيئة روحانية خاصة وصلاة الترويح.. بينما في المملكة وخاصة في الرياض يطغي عليه طابع الحياة السريع ودوامة العمل التي لا ترحم، فالمدينة الحديثة فرضت نفسها على رمضان وخاصة على المغتربين السودانيين الذين يعيشون مرارت الفراق ويشعروا بالحنين دائماً للسودان مما يجعله فاقداً للطعم والنكهة.. ٭٭ هل تتمنى صيام رمضان في السودان أم في الغربة؟ بعد غربة ثلاثين عامًا عن أرض الوطن تمنيت إن سنحت لي الظروف لقضاء شهر رمضان في السودان، ولقضاء كل إجازة سنوية خاصة رمضان، لأنه من أكثر الشهور تقرباً لله وصلة الرحم.. ٭٭ كيف ترى شكل تجمّع السودانيين المغتربين في السعودية؟ التجمعات موجودة ولكن بصورة بسيطة جدًا تكون في الجمعيات والاستراحات، ولكنها تفتقد كثيرًا للإيقاع السوداني، والنكهات التي يشتهر بها رمضان في السودان والفترة التي يلتقون فيها بسيطة للغاية فالشخص يأتي قبل الإفطار بزمن وجيز أو مع الإفطار ويأكلوا ثم يتفرقوا ولذلك تفتقر التجمعات للامتداد الزمني الموجود في السودان بعد الإفطار إلى صلاة التراويح والجلوس على «البروش» في الطرقات. ٭٭ تقييمك لتجربتك في الغربة؟ أعتقد أنني حققت الكثير من متطلباتي، ولكني فقدت الكثير، ولو قُدّر لي ان أُسأل هذا السؤال مرة أخرى وأنا مُقبل على الغربة لرفضتها وآثرت البقاء في السودان والاجتهاد فيه مع زملائي الذين يحققون الآن أكثر مما حققته أنا رغم أنهم خضعوا لضغوطات الحياة الشديدة، ولكنها تجربة ويجب أن نحترمها وأن نُقيّمها من أجل الأجيال القادمة.