أعلن وزير العدل اعتزامه استدعاء مديري البنوك في البلاد للحصول منهم على توضيحات وقوائم وأسماء الذين استولوا على أموال البنوك بغير حق وأكلوا المال العام عبر عمليات التمويل المصرفية ولم تطالهم يد القانون، واستخدم الوزير مصطلح «الجوكية» في الإشارة لناهبي المال العام ومعدمي البنوك «نفاخ النار» .! و«الجوكية» مصطلح شاع قبل سنوات حين حاول بنك السودان في عهد صابر محمد الحسن، محاصرة هذه الظاهرة، وفُتحت بلاغات ضد عدد من رجال المال والأعمال والمستثمرين المحليين ودخل بعضهم السجن لأيام وليالٍ، وقامت الدنيا ولم تقعد إلا عندما تم إطلاق سراح الكثير منهم، بعد تدخلات من هنا وهناك وبعضها من ذوي الصلات القوية بعالم ساس يسوس. ويعود مصطلح «الجوكية» ومفرده جوكي، وهو المتسابق الراكب على حصان السباق، وغالباً ما يكون الحصان مملوكاً لغيره، بينما هو مستأجر للعدو والجري به طلباً للفوز، والجوكي في الغالب متسابق محترف، مهمته ترويض الحصان وتأهيله وإعداده للسباق والاعتناء به وركوبه وتحفيزه لربح الرهان والسباق، وعندما يحقق حصان السابق بغية صاحبه، يُكافأ الجوكي بجُعل ما، ويذهب الشكر للحصان وصاحبه الأصلي الذي يكون من بين المتفرجين أو خارج حلبة السباق أو يغطّ في نوم عميق أو يكون من أهل اليسار يقضي إجازته خارج البلاد. أما «الجوكية» في مجال البنوك فهم صورة أقرب لهذا، فالجوكي في الغالب يكون مستخدماً من بعض رجال المال والأعمال من أصحاب الشركات الذين يتقدمون بطلبات للتمويل من البنوك، بواسطة شركاتهم، وبما أن المسؤولية في أي عملية تمويل بين البنك وشركة ما تقع على عاتق مدير عام الشركة، فيلجأ أصحاب الشركات الحقيقيون لتوظيف أشخاص دون صلاحيات فقط باستخدام أسمائهم، لتكملة إجراءات الحصول على التمويل المطلوب، ويكون كل شيء مسجلاً وبطريقة شكلية قانونية باسم الجوكي المستخدم، فعندما تتم العملية والتمويل، يتولى صاحب الشركة الحقيقي إدارة العمل بعيداً عن الجوكي الذي إما يسافر للخارج بفتات ما جمعه أو تتم مخارجته من الشركة نفسها وتضيع الحقيقة ويتوزّع دمها بين النهابين والنصابين.. ويصبح البحث عن الجوكي مثل التفتيش عن الإبرة في كومة من القش أو الملح الذي ذاب في بركة ماء. ودعوة السيد وزير العدل، مولانا محمد بشارة دوسة، والتي نرجو لها التوفيق، لن يتحقق لها النجاح لسبب بسيط جداً.. أن البنوك لن تتكرم عليه وتملِّكه قوائم بأسماء الجوكية وتوضيحات كافية عن هذه العمليات الإجرامية، والسبب أن البنوك هي من تتحمل كل هذ العبث وتنامي هذه الظاهرة .!! فلو كانت البنوك تعمل وفق الضوابط واللوائح والقانون، لأحكمت عمليات التمويل المصرفية ولتشددت في منح أموال المساهمين بغير الضمانات المطلوبة وفق النظم المتبعة، لأشخاص وشركات غير ملتزمة بأبسط شروط التعاملات المصرفية، وقد توجد إدارات داخل البنوك متواطئة مع هؤلاء الجوكية والنهابين والمتورطين في ارتكاب جرائم اقتصادية مدمرة من هذه الشاكلة.. فالبنوك لن تعطي دوسة أي معلومات على الأرجح، لأنها ستكون هي المدانة، ولن تسلِّم رقبتها للقانون بسهولة. ومثلما توجد مافيا في كل مجال من مجالات السوق والتجارة، فهناك مافيا تعبث في الجهاز المصرفي تستخف بالقانون واللوائح ومنشورات البنك المركزي، وغير مبالية بشيء.. والأدهى والأمرّ والأكثر إثارة للحنق والغضب أن السياسة لها أذرع أخطبوطية تلتف وتمتص ما يدور حولها وأمامها من تلاعب بالاقتصاد، فكثير من الذين نهبوا البنوك وهم معروفون بالاسم والمكان والموقع والجهة، لا يستطيع القانون الوصول إليهم، وقد لا يتأتى للسيد وزير العدل كشف أسمائهم للناس.. وكان الله في عون دوسة.