أوجاع وجراح البنك المركزي ما زالت عميقة بسبب تنامي مشاكل التعثر وضياع المليارات من الجنيهات التي ذهبت لجيوب عملاء أرادوا من خلالها توسيع تجارتهم لمصلحتهم الشخصية ودخلت ممارسات وظواهر غريبة تلاعب بها هؤلاء بعد ان امتدت أياديهم الى أموال البنوك باعتبارها أموالاً سائبة غير واجبة السداد، والآن يتهربون بعد ان قدموا ضمانات غير كافية منحوا من خلالها مبالغ طائلة عن طريق شركات وهمية وبأسماء لشخصيات اعتبارية. وتعج الآن المحاكم والأجهزة القضائية بالعديد من القضايا والبلاغات فتحت ضد عملاء تم تصنيفهم بأنهم غير جادين وستتم ملاحقاتهم قضائياً. ويدرس بنك السودان الآن إمكانية إصدار قوانين رادعة واتخاذ عقوبات صارمة تجاه العملاء الذين قاموا بأخذ مبالغ كبيرة من البنوك التجارية ولم يوفوا بالتزامات السداد، وذكرت مصادر مصرفية أن العملاء المتعثرين وغير القادرين على السداد بلغ عددهم «160» متعثراً سيخضعون لإجراءات محاسبية رادعة، وسيتم الإعلان عن أسمائهم وأسماء شركاتهم بالأجهزة الإعلامية، كما ستوجه البنوك بحرمانهم من الحصول على أي تمويل لهم ولشركاتهم، ويبدو أن مشاكل التعثر تحتاج وفقاً لم أكدته المصادر للتنسيق والتعاون بين الأجهزة العدلية والبنوك والجهات ذات الصلة للحفاظ على أموال البنوك من التآكل وحماية موارد المودعين حتى لا يفقد المواطنون الثقة في الأجهزة المصرفية. ونبه د. صابر محمد حسن محافظ بنك السودان من خطورة تزايد مشاكل التعثر بالأجهزة المصرفية بحسبان أن هذا الأمر يؤثر على المراكز المالية للبنوك بالإضافة لفقد الثقة من المودعين باعتبار أن ذلك يؤدي لتآكل مواردهم. تقرير نيابة مخالفات الجهاز المصرفي ذكر أن عدد البلاغات أمام نيابة مخالفات الجهاز المصرفي «1435» بلاغاً وحجم المال المُعتدى عليه «29» مليار جنيه لم يُسترد سوى «6» مليارات، وأوصى بضرورة متابعة البلاغات المفتوحة والعمل على تأسيس محكمة متخصصة لمخالفات الجهاز المصرفي وإنشاء آلية لتجميع المعلومات الكافية عن العميل لحظة تقديم وقبول طلب التمويل. وما زال البنك المركزي يحذر وينذر من خطورة ضياع مليارات من الجنيهات من الأجهزة المصرفية بسبب تزايد مشاكل التعثر، هذه الآفة الخطيرة المدمرة للإقتصاد الوطني بسبب دخول ظواهر جديدة مثل الواجهات و«الجوكية» من عملاء البنوك وهي من الظواهر الدخيلة تم استغلالها ليقوم البعض باسم الشركة أو المصنع «صاحب الإسم الكبير» بأخذ تمويل من البنك المعني مستغلاً اسمه وشهرته ولكن يفاجأ البنك المعني أن أصول الشركة أو المصنع ضمان غير كافٍ لمنح التمويل ومن ثم يحاول البنك مراراً وتكراراً ملاحقة العميل لاسترداد ما أخذ من تمويل ولكن تذهب محاولاته أدراج الرياح، ومن ثم تبدأ الملاحقات القضائية والقانونية، غير أن مصادر مصرفية ترى أن هناك تساهلاً ومجاملات وتهاوناً من بعض الإدارات التنفيذية بالبنوك والمجاملات في اتخاذ الاجراءات القانونية ضد العملاء المتعثرين وتسييل الضمانات في غالب الأحيان يقوم البنك المعني بالدخول في تسوية لاسترداد بعض المليارات التي أخذت بدون وجه حق. وهناك عملاء مقتدرون على السداد ولكنهم يتهربون من الوفاء بالتزاماتهم للتلاعب بأموال البنوك وتوظيفها لأغراض شخصية بدلاً من توظيفها لأغراض وأنشطة اقتصادية وتنموية. وبدأ بنك السودان المركزي في اتخاذ إجراءات مشددة وإصدار قوانين رادعة لحماية أموال المودعين من التآكل، كما يدرس إمكانية إدخال تعديلات على بعض القوانين مثل قانون تصفية الشركات وإعلان الإفلاس وإنشاء الشركات وأسماء الأعمال بجانب إمكانية إصدار قانون يمكن البنوك من مساءلة شركات وبيوتات الخبرة الخاصة بتقييم الضمانات بجانب إمكانية تملك العقارات المرهونة للمصارف «إغلاق الرهن» التي يصعب تسييلها. فمشاكل التعثر تحتاج لدراسة علمية، هذا ما أكده د. حاتم الزبير رئيس اتحاد المصارف السودانية مبيناً ان ظاهرة التعثر خطيرة وتحتاج لدراسة علمية دقيقة عبر لجنة متخصصة تضم جهات مختلفة لا يكون هدفها حصر التعثر فقط وإنما يتضمن ذلك معرفة الدواعي والأسباب التي أدت للتعثر بدلاً من الحديث عن أرقام وجهات بعينها باعتبارها السبب الرئيسي وراء تزايد حالات التعثر بالبنوك ومعرفة الدوافع الرئيسية، هل هي بسبب الركود الاقتصادي، أم بسبب توظيف مبالغ لأنشطة غير إنتاجية، واعتبر ان التعثر ظاهرة عالمية تلعب الظروف الاقتصادية وراء إنخفاضها أو ارتفاعها فحساب النسب لا يعطي الحقيقة وراء تصاعد نسب التعثر بالبنوك، فالنسبة في غالب الأحيان تكون مضللة لأن نسبة التعثر تكون عالية في حين ان محفظة التمويل ضعيفة غير ان هناك تزايداً لحالات «الواجهة» و«الجوكية» وهي من الظواهر الجديدة التي دخلت عالم التعثر عبر رجال أعمال أو تجار كبار يتم منحهم التمويل من البنوك بهذه الأسماء الكبيرة للشركات أو رجال الأعمال. محمد علي الشيخ مدير الرقابة المصرفية ببنك السودان يعزو تزايد التعثر لمسببات خارجية تكمن في السياسات والقرارات الحكومية.. ضرائب، جمارك، رسوم.. ركود اقتصادي والظروف الطارئة التي حدثت مثل مشاكل قطاع النقل وانفلونزا الطيور والحمى النزفية، ويضيف ان هناك مشاكل متعلقة بالسندات الحكومية وأوامر الدفع المستديمة والضمانات الحكومية وعدم وجود عقوبات رادعة على العملاء المتعثرين الذين يتهربون من السداد مع توفر القدرة عليه وهناك صعوبات التصرف في الضمانات والتمويل الموجه بقرار سياسي للزراعة في الشرائح الضعيفة. ويضيف ان أسباب تعثر بعضها موضوعي والآخر ناتج عن تقصير من جانب المصارف أو بقصد من العملاء وهناك مسببات مصدرها البنك، منها عدم إجراء الدراسة الكافية قبل إتخاذ قرار منح التمويل والتركيز على عنصر الربحية اكثر من سلامة العملية وتركيز التمويل في أيدي عدد قليل من العملاء أو الصيغ بجانب أخذ ضمانات ضعيفة أو غير قابلة للتسييل. فأمر التعثر يحتاج لإجراءات عاجلة وعقوبات صارمة للحد من هذه المشكلة المتنامية المدمرة للإقتصاد وتأثيرها على السلامة المالية للبنوك.