عندما غزا محمد علي باشا السودان في عام (1821م) كان يهدف لتحقيق عدد من الأهداف من بينها (الحصول على الذهب) وذلك عندما سمع بوجوده بكثافة في جبال بني شنقول التي تقع ضمن سلسلة من الجبال في ولاية النيل الأزرق، ومنذ ذلك التاريخ (1821م إلى 2010م) لم يشتد البحث عن الذهب في السودان كما يحدث الآن سواء كان عن طريق التنقيب الأهلي أو المنظم، وفي الوقت الذي تفشل فيه الحكومات المتعاقبة على حكم السودان منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا في إنشاء مشروعات تنموية تستوعب الأجيال المتعاقبة من الخريجين والموظفين والعمال وغيرهم حتى أصبح الشعب السوداني من أكثر شعوب العالم هجرة واغترابًا، ويوجد بالولاية الشمالية أكثر من موقع للتنقيب عن الذهب سواء كان ذلك في محلية دنقلا أو البرقيق أو دلقو أو الدبة وجميعها مواقع فتحت فرص عمل للعديد من الفئات البشرية التي وجدت منفذًا حقيقيًا في زيادة دخلهم الشخصي غير أن هذه المواقع ما زالت تحتاج للمزيد من الاهتمام من قِبل السلطات. وتبعد قرية (أبو صارة) عن دنقلا حوالى (138) كيلو مترًا وينقسم موقع التنقيب عن الذهب إلى قسمين الأول (موقع سوق الذهب) (بدلقو) والثاني موقع التعدين عن الذهب وبينهما مسافة (85) كيلو مترًا تقريبًا، ويأخذ موقع التنقيب اسم (جبل البوم) وهو الموقع الذي تجتهد فيه الكتل البشرية للتنقيب عن الذهب ويقع في الاتجاه الشمالي الشرقي لدلقو، وفي موقع التنقيب أول ما لفت انتباهي هو كمية البشر الموجود في هذا الموقع، إضافة إلى كثافة المركبات بمختلف أنواعها، (الإنتباهة) التقت المنقب الخير موسى الكنزي من قرية أم بادر بولاية شمال كردفان واصطحبني بجولة داخل موقع التنقيب فقلت له: ألم تصيروا من الأغنياء بعد؟ فرد عليّ بعد أن علا صوته بالضحك: نحن هنا (نبحث عن المجهول) فقلت له: فما الذي يجبرك على المُر فرد بقوله: طبعًا الأمرّ منه، ويضيف الكنزي أن أكثر ما يميِّز هذا الموقع أن أي صاحب مهنة يجد عمله إلى جانب وجود الأمن وأضاف: (أنك الآن لا ترى ولا شرطي واحد بالموقع وبالرغم من الكثافة البشرية إلا أننا لم نشهد أي اختلال للأمن أو شجارًا بين الناس)، ويردف: أن هذا الموقع به كل قبائل السودان بلهجاتهم وسحناتهم فالكل هنا يبحث عن مصدر رزقه بينما يعاني الناس من عدم التنظيم، مشيرًا إلى أن الموقع يحتاج إلى عملية النظافة ولا بد أن تكون للسوق ضوابط، كما أن من أكثر المشكلات الموجودة بالموقع الوضع الصحي، حيث يعاني الموقع من توالد الذباب بكثافة، الأمر الذي يعد خطرًا على صحة العاملين في الموقع.. قد لاحظت انتشار الذباب بكثافة في موقع التنقيب بصورة مزعجة، وطالب الكنزي بوحدة صحية لمقابلة الحالات الطارئة، وأضاف: (هنا كل إنسان يرمي بفضلات موقعه أمامه)، مشيرًا إلى أنهم طالبوا المحلية بتوفير عربة نفايات إلا أن رد المحلية كان أن عرباتهم الموجودة قليلة ولا توجد عربات إضافية.. ويردف: (ما نخاف نحن منه الآن هو حدوث الأمراض لأن أي مرض يظهر في هذا الموقع فإن سرعة انتشاره ستكون عالية نسبة لتوالد الذباب بكثافة)، ويرى التاجر سالم حماد فرح بسوق الذهب أن من محاسن هذا السوق لا تجد فيه السرقة إطلاقًا، وزاد: (لدينا بضائع بما لا تقل عن خمسة آلاف جنيه دون رقيب ولا يتعرض إليها أحد، مضيفًا أن عملية البحث عن الذهب عالجت العديد من المشكلات «الضائقة المالية العطالة العائد السريع.. إلخ»)، غير أنه تحسر على ترك الرعاة والمزارعين لمناطقهم وهجر الناس للزراعة والتمركز في مناطق استخراج الذهب، مشيرًا إلى أن هذا من شأنه أن يخلق أزمة غذاء مستقبلاً، وأضاف: (نحن في كردفان كمنتجين للحبوب الزيتية نشعر أن سعر هذه الحبوب والزيوت قد ارتفع في الوقت الحالي نسبة لهجرة المزارعين ولقد انتشرت مواقع استخراج الذهب في كل مناطق السودان وأخشى أن يتسبب ذلك في شح في الغذاء) غير أنه عاب على المحلية التحويل المفاجئ للسوق الذي وصفه بأنه أضرَّ بالعديد من التجار، مشيرًا إلى خطورة وجود أطفال أعمارهم تتراوح ما بين (14 15) وهذا ما يعرضهم ليكونوا عرضة للأمراض، إضافة إلى أنهم تركوا أماكن الدراسة وجاءوا ليبحثوا عن الرزق في هذه السن التي تحتاج للرعاية قبل كل شيء، ويرى السائق عبد الرحمن ود المصباح أن بالمنطقة منجمًا للذهب كان قد أنشأه محمد علي باشا كما أنشأ له خط سكة حديد لترحيل الذهب من الموقع إلى مصر، وأضاف: (تم ردم الطريق بواسطة القفاف) وهي جمع «قفة» وتصنع من سعف النخل يتم بها حمل التراب وقد تم استخدام البشر في هذا الردم وهي المنطقة التي اشتهرت بمنطقة العنج نسبة لاستخدام الأتراك (لسوط العنج) في تشغيل المخدمين، وأضاف: حاليًا تعمل في الموقع شركة تركية تنقب عن الذهب وفق الاتفاق مع الجهات الحكومية، ويرى يوسف طاهر معتمد دلقو السابق في حديثه ل (الإنتباهة) أنه بعد وقوع حوادث على جانبي الطريق تم ترحيل السوق من (أبو صارة) إلى دلقو إضافة إلى التردي البيئي وتم عمل رش ضبابي في الموقع الجديد، إضافة إلى عملية التوسعة ليستوعب جميع الأنشطة التجارية المختلفة بعد التوافد الكبير عليه من قبل المواطنين من كل ولايات السودان المختلفة وذلك لمراعاة الجوانب الصحية كما تم تنظيم السوق وتحديد لكل نشاط موقع محدد بالإضافة إلى عمل ردمية في مدخل السوق.