لعبة السلم والثعبان.. لعبة تنبني على الحظ تنبني على الحظ المطلق.. ليس للبراعة فيها دخل.. ولا للمران الطويل. ولا للخبرة.. ويستخدم فيها الزهر أو النرد... ولذلك فهي من مجموعة لعب الميسر.. خاصة إذا جعل فيها جائزة للفائز. وخلاصة اللعبة أن الحظ إذا أوقعك في مربع قاعدة السلم صعدت إلى أعلى مربع ينتهي فيه السلم.. وإذا أوقعك الحظ في مربع به ذيل الثعبان هبطت إلى أسفل مربع ينتهي فيه الثعبان.. مأساة الإنقاذ الحقيقية هي أنها حولت الحكم كله إلى لعبة السلم والثعبان.. الإنقاذ تركت ورء ظهرها القواعد والأسس والأصول والثوابت التي تنبني عليها الحكومة وينبني عليها السلطان.. الحكم والحكومة والسلطان في زمن الإنقاذ لا يحتاج إلى فن ولا إلى دراية.. بل إن الحكم والحكومة في زمان الإنقاذ لا تعترف بشيء اسمه الولاء.. بل هي لعلها لا تعرف شيئاً اسمه البراء.. لا على مقتضى الحزبية ولا على مقتضى الشريعة.. يلتقي في حكومات الإنقاذ اليساريون.. والسلفيون والإسلاميون.. ورجال التصوف.. ورموز الطائفية.. بل ويلتقي مع كل هؤلاء المتمردون وحملة السلاح.. وهم دون غيرهم عملاء للقوى الأجنبية وعمالتهم لا تنتهي بمجرد انضمامهم للإنقاذ.. بل تستمر تحت سمع الدنيا وبصرها.. والدليل على ذلك أنهم جميعاً يعودون إلى لعبة التمرد مرة أخرى.. ويستمر إمدادهم من مصادر الدعم الأممية. قيادات التمرد كلها جاءت وجلست في كراسي الحكم وأفرغت لها المناصب بدءًا من منصب النائب الأول.. واستُحدثت لها المناصب والرتب من مثل كبير مساعدي الرئيس.. مع أن الشخص صاحب الحظ والحظوة لم يكن كبيراً في شيء لا في العمر ولا في العلم ولا حتى في التمرد.. وبعد أن «سف» من مال الإنقاذ السائب عاد إلى تمرده سالمًا غانمًا. كل تحالفات الإنقاذ.. وكل اتفاقيات الإنقاذ كانت على قاعدة السلم والثعبان. ولعل الإنقاذ لا تعلم أن للحكم الرشيد قواعد وأصولاً وأشراطاً .. بل لعلها تعلم.. ونعلم أيضاً أن للحكم «الآخر» غير الرشيد مبادئ وقواعد وأشراطاً هو الآخر. إن الإنقاذ تأبى أن ينبني منهجها في الحكم على أصول السياسة الشرعية.. ليكون حكماً إسلامياً رشيداً والإنقاذ كذلك تأبى أن ينبني حكمها على الميكيافيلية ليكون حكمًا شيطانياً رشيداً. كتب ميكيافيلي كتابه العجيب السلطان ليكون دليلاً وقاموساً ومعجماً للحكم الشيطاني المنبني على الهوى والمؤامرات والدسائس والمكر والدهاء. الإنقاذ ترفض الحكم الإسلامي الرشيد والإنقاذ أيضاً ترفض الحكم الميكيافيلي «الرشيد».. الإنقاذ ترفض أي حكم ينبني على قواعد وأسس وانضباط حتى ولو كان انضباطاً ميكيافيلياً صرفًا. الإنقاذ لا تقبل إلا منهج السلم والثعبان: اتفاقيات الخرطوم.. فشودة.. ونيفاشا.. وأبوجا والصادق.. والميرغني.. والحزب الشيوعي.. واليسار والصوفية.. كلها قامت على أساس السلم والثعبان.. والأنكى والأمرّ أن الإنقاذ كانت دائماً تقع في مربع ذيل الثعبان.. لم تقع ولا مرة واحدة في قاعدة السلم لتصعد إلى أعلى.. اللهم إلا إذا اعتبرنا إعلان المحكمة الجنائية الأول.. وتحرير هجليج من ضمن قاعدة السلم.. ولكن الإنقاذ كانت تعود سريعاً إلى ذيل الثعبان. إن ذيل الثعبان هذا في لعبة الحظ التي استمرأتها الإنقاذ.. يقابل المعيشة الضنك التي وُعد بها المعرضون عن ذكر الله. إن الإنقاذ لا تبني منهج الحكم على أصول السياسة الشرعية لأن لها أصولاً.. ولا على الميكيافيلية رغم ضلالها وفجورها.. لأن لها أصولاً ولكنها تبنيه على لعبة السلم والثعبان لأنها ليس لها أصول ولكنها تنبني على شختك بختك.. وحتى قرص الظهر فيها أكذوبة كبيرة. لذلك فلا عجب أن يعود حال السودان كهيئته يوم استولت الإنقاذ على السلطة.. عودة الصفوف.. والتموين وبطاقته والحصص.. وضراوة التمرد.. والفساد.. والجبايات والمحسوبية.. وأبناء السادة «ولا أقصد عبد الرحمن ولا جعفر» بل أعني السادة الجدد فهم أيضاً لهم أبناء.. والقادمين الجدد الذين وفرتهم بركة الثعبان مثل الجبايات التي ما أنزل الله بها من سلطان ويستحي منها حكم العسكر عبود ونميري ويستحي منها حكم الطائفية الأول.. ثم التجنيب.. وهي بدعة إنقاذية لا ينكرها أحد ولا يخجل منها أحد.. ثم المخصصات المليارية.. ثم الاستثمارات الماليزية والأرصدة الخليجية.. والمخططات النخيلية وأظن.. والله أعلم.. أن تأخير إعلان التشكيل الوزاري سببه هو سياسة السلم والثعبان فلا أحد يدري.. ولا أحد يعلم.. من الذي يبقى ومن الذي يذهب.. وذلك أن الدراية والعلم لا ينبنيان إلا على أصل.. ولا ينبنيان على السلم والثعبان. نحن لا مانع لدينا. بل لا مانع لدى أحد من أهل السودان وهو ظني الراجح أن تبقى الإنقاذ.. وأن يستقر الحكم.. وأن يبقى السادة في مناصبهم الدستورية.. وأن يبقى أبناء السادة في أماكنهم ولكن بشرط ألا يكون ذلك على أساس منهجية الميكيافيلية ولا منهجية السلم والثعبان.. بل على أصل السياسة الشرعية.. وعلى أصل إصلاح الراعي والرعية.. فهأنذا قد نصحت لكم.. ولكن لا تحبون الناصحين..