العلمانيون يكرهون نسبة الأشياء إلى الإسلام.. والإسلاميون أحياناً يستحيون من نسبة الأشياء إلى الإسلام.. أما في أيامنا هذه فإن قليلين جداً من الإسلاميين هم الذين لا يستحيون من نسبة الأشياء إلى الإسلام. والإنقاذ في تفكيرها الإستراتيجي وقعت فريسة بين براثن ثلاثة إستراتيجيات: إستراتيجية الإنقاذ، إستراتيجية د. تاج السر وإستراتيجية مسيلمة الكذاب.. والإنقاذ لم تفكر قط في إعداد أو صياغة إستراتيجية إسلامية.. بل هي لم تفكر قط في نسبة إستراتيجيتها إلى الإسلام.. بل لعلها لم تفطن إلى وجود إستراتيجية إسلامية إن إستراتيجية مسيلمة قامت وأسست على منازعة الواحد الأحد في ملكوته وجبروته.. لذلك جاء مردودها السالب عاجلاً وقاطعاً وحاسماً. إستراتيجية في السقيا وفي الماء جاءت بالعطش فقد غارت البئر التي تفل فيها وغاض ماؤها.. وكذلك جاءت استراتيجيته الصحية بالضرر والمرض والعمى.. وأما إستراتيجية الإنقاذ فقد انبنت على الشعارات الطنانة لطمأنة المتشددين.. كما انبنت على المتشابه لطمأنة العلمانيين.. ومعذرة فهذه لغة الإستراتيجيات غير الإسلامية وهذه هي مصطلحاتها: فالعلمانية يقابلها التشدد والعلمانيون يقابلهم المتشددون. وطبعاً التشدد أن نذكر الحاكم والمحكوم أن لله مقالاً في كل شأن من شؤون الحكم ومن شؤون الحياة. إن إستراتيجية مسيلمة كانت لها رؤية.. وكان لها معيار لذلك جاءت نتائجها باهرة وقابلة للقياس.. كانت نتائجها آنية.. وفورية .. وكارثية.. أما إستراتيجيات تاج السر وإستراتيجيات الإنقاذ فهي بلا رؤية ولا مرجعية.. لذلك فلم تكن لها معيارية حقيقية لا في أرقامها ولا في قيمها الإنسانية. لقد كان اصطناع المعاذير وانتحال النجاحات هو أحد أهم معايير إستراتيجية الإنقاذ وإستراتيجية تاج السر. إن الإخفاق والفشل المعيارين اللذين نشهدهما الآن ليسا من الإستراتيجيات لأنها أصلاً ليست إستراتيجيات ولكنه فشل في رؤية الإنقاذ للكون والأشياء وأوراق المفاهيم الإنقاذ تخلط الأوراق.. أوراق الرجال.. وأوراق الأصول.. تخلط العلمانية بالإسلام.. وتخلط تاج السر بغازي صلاح الدين وتخلط مفهوم الولاء والبراء بمفهوم المواطنة. الإنقاذ تدغمس حتى في الرؤية الإستراتيجية فلا غرو إذن أن تأتي نتائجها كارثية. تتبنى إستراتيجيات الوحدة.. فيأتي الانفصال بما يشبه الإجماع وتتبنى إستراتيجيات الأمن.. فإذا بالخوف والجوع والدمار والحرب ينتشر من الجنوب إلى الشمال كله.. دارفور وكردفان والنيل الأزرق والنيل الأبيض والخرطوم ودنقلا وكسلا والقضارف والسبب في ذلك واضح ومفهوم ومعياري. الإنقاذ تستحي من أن تنتسب إلى الإسلام.. لذلك فهي لا تنسب إستراتيجياتها إلى الإسلام.. ولا تسند إعداد إستراتيجياتها إلى الإسلاميين. فالبئار إذن هي هذه: بئر مسيلمة الكذاب ونتائجها كارثية وفورية وبئر الإنقاذ وتاج السر ونتائجها كارثية وعلى مراحل وثالثة البئار النبع الذي يخرج منه الماء من بين أصابع المصطفى صلى الله عليه وسلم.. إن الذي غاب عن الإنقاذ وعن د. تاج السر وأنكره طبعاً مسيلمة الكذاب هو ما اكتشفته كاتبة غربية لا تمت إلى الإسلام بصلة ولكنها وضعت الأساس للإستراتيجية الإسلامية الشاملة حيث قالت: «لقد كان العون الإلهي فيما يبدو وهو التفسير الأوحد للنجاح الفذ الذي حققه محمد» «من كتاب الرسول الأعظم في مرآة الغرب أن هذا هو السر بل هو سر أسرار الإستراتيجية الإسلامية، إن الانقاذ أغفلت هذا السر وجاءت بدلاً منه بدكتور تاج السر لذلك فإن دكتور تاج عندما يتكلم عن إسلامية الإستراتيجية فإنما يتحدث عن شعارات.. بينما الإستراتيجية الإسلامية تجعل من الشعارات أحكاماً وأصولاً وثوابت تبني عليها هياكلها كلها بلا استثناء. إن للإسترتجية الإسلامية الشاملة محاور عمل ومراحل لا تستطيع أن تتجاوزها أو تحيد عنها قيد أنملة. إن أول محاور الإستراتيجية الإسلامية هو الإنسان الإنسان من حيث هو إنسان بلا عرق وبلا ملة.. ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا.. إن أية إستراتيجية جادة لا يمكن أن تتجاوز الإنسان لابد أن تهتم بالإنسان بتطويره وتربيته وتهيئته لأداء دوره الذي هو أعظم الأدوار على الإطلاق في البناء المادي والمعرفي والقِيمي. ومحور الإنسان تتفرع منه فصول الهداية والأمن، الهداية إلى المعبود بحق، والأمن من الجوع ومن الخوف، وكلها قد رتبها الخالق الباري المصور المبدي المعين الودود الرشيد الرزاق الفتاح العليم فقال جل من قائل: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» هذا في باب الهداية وفيه أيضاً «قل أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت» أما في جانب الأمن من الجوع والخوف فجاء النص على سبيل الامتنان، والامتنان لا يحدث ولا يجوز إلا بعد وقوع ما يمتن به على الناس.. وجاء أيضاً مرتبطًا بموضوع الهداية «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» ففي جانب الأمن من الجوع جاء قوله تعالى: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين» والآيات الدالة على كفالة الله سبحانه وتعالى لأرزاق العباد كثيرة ومتنوعة ومبثوثة في سور كثيرة من كتاب الله. على أن القاعدة الأصولية أو الأصل الحاكم هنا هو أن نجاح الإستراتيجية الإسلامية ينبني على قاعدة العدالة في التوزيع الذي يرسمه ويوضحه انخفاض معدلات الفقر. والعدالة في التوزيع نظرية إسلامية متكاملة وهي نظرية تعبدية تبدأ بالزكاة، وزكاة الفطر والكفارات والصدقات والتوظيف في أموال الأغنياء وأحكام الفيء والخراج والغنائم كلها أركان في نظرية متكاملة لضمان عدالة التوزيع للثروة إلا أن الإستراتيجيات العلمانية تعتمد معيارية زيادة المدخرات لتقرير نجاح السياسة من فشلها. ففي الزكاة يقول «يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولاتيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه» وأضاف في مكان آخر: إنما الصدقات للفقراء والمساكين...» إلى آخر الآية. وفي جانب الفيء قال تعالى:«ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين ابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب». «إن القرآن بقوله «كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم» إنما يبني موقفه من معيارية زيادة المدخرات كأساس لنجاح الإستراتيجية. إن عشرات بل مئات بل آلاف النصوص من قرآن وأحاديث ومواقف إسلامية جاءت لتؤكد أن الإنسان هو المكوِّن الأول والأهم لكل إستراتيجية جادة وعاقلة ومتزنة.. يتبع.