كشف تقرير جديد لقياس الثروة في الدول بطريقة أفضل لقياس أغنى دول العالم وفقاً لصحيفة إيكونوميست، ليضع أمام صُنّاع السياسة الاقتصادية مشكلة وحيدة وهي إدارة متوازنة لكل من الأصول البشرية والطبيعية والفيزيائية. تشير الصحيفة إلى أنه رغم مباهاة الدول بثرواتها الطبيعية أو القوى العاملة الماهرة لديها أو ما تملكه من بنية تحتية متطورة، إلا أنه لا يوجد مقياس مالي معترف بها على نطاق واسع لاحتساب أصول الدول الطبيعية والبشرية والفيزيائية. وبينما يعتمد خبراء الاقتصاد عادة على مقياس إجمالي الناتج القومي إلا أن هذا المعيار يقيس الدخل ولا يحتسب الثروة، ويقيِّم أيضاً تدفق البضائع والخدمات دون حساب الأصول، فهو مثل تقييم الشركة حسب نتائجها الفصلية دون النظر إلى أصولها ولا اعتبار لميزانيتها العامة. ونشرت الأممالمتحدة مؤخرًا تقريرًا لعشرين دولة تضمن ثلاثة أنواع من الأصول وهي الأصول المصنّعة أو الفيزيائية مثل الآلات والأبنية والبنية التحتية وما إلى ذلك، مع الأصول البشرية مثل مؤهلات ومهارات السكان، مع الأصول الطبيعية بما فيها الأراضي والغابات والثروات المعدنية والنفط. وبالاستناد إلى هذا المقياس الجديد فإن ثروة الولاياتالمتحدة تصل إلى «118» تريليون دولار في عام 2008، أي عشرة أضعاف إجمالي الناتج العام في تلك السنة، لكن ثروة كل شخص أقل من مثيلتها في اليابان التي تصدرت الجميع وفقاً للمقياس الجديد، حيث تفوقت ثلاثة أضعاف على الصين من حيث الثروة فيما يقل إجمالي الناتج العام عن مثيله في الصين. ووفقاً للتقرير تثبت مقولة المسؤولين التي يكررونها دوماً وهي أن أهم ثروة هي شعوبهم، إلا أن ذلك لا ينطبق في دول مثل السعودية ونيجيريا وروسيا. وبحسب تقرير الأممالمتحدة نفسه يمثل رأس المال البشري «88%» من ثروة بريطانيا، وحوالى«75%» من ثروة الولاياتالمتحدة، فيما يتفوق اليابانيون على الجميع في قيمة رأس المال البشري. يميل التقرير إلى جعل كل الأصول الثلاثة من النفط وحتى الذكاء والبناء، قابلة للتعويض والمقارنة، ويمكن لبلد مثلاً أن يخسر ما قيمته «100» مليار دولار من الموارد الطبيعية في حال كسب قيمة مماثلة في المهارات البشرية لدى السكان. ومثلا هناك حال السعودية التي استنفدت ما قيمته «37» مليار دولار من احتياطي النفط لديها بين الأعوام«1990 و2008»، بينما أضافت لرأس مالها البشري ما قيمته تريليون دولار. لكن بعض الدول الغنية استنفدت إمكانية الحصول على أي عوائد من الاستثمار برأس المال البشري وفقاً للتقرير، مما يشير إلى ضرورة توجيه الاستثمار برأس المال الطبيعي مثل إعادة تشجير الغابات بدلاً من إثراء المكتبات والجامعات. لكن لا يمكن النظر إلى التقرير دون محاذير مثل تجاهل جوانب بيئية مثل الثروات الطبيعية غير القابلة للتجدد والتي يسهل استنفادها دون أي قدرة على تعويضها مثل الماء والهواء النظيف، حسب تحذير خبراء البيئة وبعضهم ساهم في التقرير. فلا يجوز تماماً اعتبار هذه الثروات الطبيعية أصولاً قابلة للتعويض، ولكن يمكن أن ينعكس ذلك على سعر هذه الثروات التي يجب أن ترتفع أسعارها بشدة مع ندرتها لتحقيق توازن بين تنمية رأس المال البشري والفيزيائي لتعويض خسارة الموارد الطبيعية. ومن الناحية العملية يستحيل تقييم سعر الموارد الطبيعية ولذلك يجب على تقرير الأممالمتحدة الابتعاد عن إدخال أصول مثل الهواء النظيف إلى معادلة التقييم، فالأصول مثل الهواء النظيف ومياه الشرب لا يمكن شراؤها أو بيعها، ويجب أن يقتصر التقييم على الثروات المعدنية والغاز حيث توجد أسواق تحدد سعرها إلا أن تلك الأسعار تعجز أيضاً عن وضع سعر حقيقي لها، ومثلاً تربية النحل هي خير مثال لأصحاب نظريات الاقتصاد، فالنحل يولد العسل الذي يباع في السوق لكن النحل يقوم أيضاً بتلقيح أشجار التفاح في الجوار، وهي خدمة مفيدة لا يمكن شراؤها أو وضع سعر لها رغم أن مزارع قهوة كسب «60» ألف دولار إضافية من محصوله بسبب وجود مزارع نحل قريبة ساعدت في تلقيح أشجار القهوة وتحقيق فائض في محصوله في كوستا ريكا.