سُئل أحد إخواننا الإثيوبيين عن مكان سكنه فأجاب أسكن الديم وزاد في عبارة احتجاجية: «لكن في سودانيين كتير ساكنين معنا» ذكرت هذه الطرفة للصديق العزيز الفريق عبد الرحمن سر الختم وأنا ضيف على مائدته العامرة بمقر سفارة السودان بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وزدت مخاطباً مضيفي أتوقع أن يأتى يوم ويُسأل سوداني عن مقر سكنه بأديس فيقول منطقة بولي «يقطنها السودانييون بكثرة» ولكن فى حبش كتيرين ساكنين معانا. وكان جلوسًا فى هذه المائدة العامرة الفنان الأستاذ محمد الأمين والفنان عصام محمد نور والفنان أبوبكر سيد أحمد وفرقتهم الموسيقية أتوا بدعوة كريمة من سعادة السفير لتأبين الفقيد الراحل المقيم الفنان محمد وردي، وهنالك دلالات لقيام ذلك التأبين بحاضرة إثيوبيا أديس أبابا، فالإثيوبيون يعشقون فن وموسيقا الأستاذ الراحل ويرددون أغانيه في منتدياتهم ومسارحهم وليالي أفراحهم، وقد أقيمت ليلتان لتأبينه وكان مصدر دهشتي أن الليلة الأولى كانت برعاية السفير الفرنسي بإثيوبيا، فالرجل عمل من قبل بالسودان وتزوج سيدة سودانية من بنات القضارف «السيدة سهاد» وأخبرني سفيرنا الفريق عبد الرحمن سر الختم أنه يفضل مناداة السفير الفرنسي بأبو النسب وعلمت أن السفير الفرنسي ذواق للفن والتراث السوداني وأراد أن تكون هذه الليلة بوتقة صهر فيها قمم الغناء السوداني والإثيوبي، غنى الإثيوبيون لمحمد وردي ولأديبنا الراحل سيد أحمد الحردلو . يابلدي ياحبوب يا أب جلابية وتوب سروال ومركوب وجبّة وسديري وسيف وسكين ياسمح يا زين رددها الحضور من الإثيوبيين فهم كثر والسودانيين وتمايل الجميع طرباً وقد كانت وما زالت موسيقا محمد وردي وفنه وبقية الفنانين السودانيين هي السفارة الحقيقية التي قربت بين الشعبين «السوداني والإثيوبي» فالإثيوبيون يكنون محبة ومعزة خاصة وخالصة للسودانيين تلتمسها منذ أن تطأ قدماك أرض مطارهم الأنيق. حرصت على زيارة الجارة الشقيقة إثيوبيا للمساهمة في دفع عجلة الخدمات الصحية بها وجمعتني صداقة مع أطباء إثيوبيين تدربوا بالمهجر مثلي وكانوا أكثر حرصاً مني على حضوري، وكان في صحبتي هذه المرة الصديق الدكتور أمير بابكر عبد الله استشاري علم الأحياء الدقيقة باسكتلندا والمدير العام لشركة وذدم للتدريب الموارد البشرية للتعاون مع أبو سن الطبية. فعاصمتهم أديس حبتها الطبيعة بسحر وجمال خلاب تجذبك هي الأخرى لزيارتها عدة مرات عادة ما تحط بي الطائرة في حوالى السادسة والنصف صباحاً وأديس أبابا تقع في ارتفاع 1250 مترًا فوق سطح البحر، وترى من خلال نافذة الطائرة وهي هابطة إلى أرض المطار خيوطًا ذهبية متناثرة مختلطة بسحاب كثيف بعضها غامض اللون وبعضها شديد الصفار تشكل لوحة في غاية الجمال. رتب لي صديقي الدكتور إكيزا اجتماعاً مع وزير الصحة الإثيوبي الدكتور تادوروس حرص على حضوره الأخ الصديق الفريق عبد الرحمن سر الختم إيماناً منه بأهمية تبادل الخبرات الصحية كسفارة شعبية تعضد لتواصل الصداقة بين الشعبين. حرصت في زياراتي المتكررة لأديس أن أمارس رياضة المشي فأرضها الخضراء والجبال الشامخة المحيطة بالمدينة التي تغطيها غابات الصنوبر وطقسها المعتدل الجميل يغريك على ذلك وكلما ذكرت طقس أديس تذكرت مقولة شيخ السودانيين بأديس عوض «يا دكتور الجماعة ديل أدونا ضهر المكيف».