أىّ فرحة وسعادة غامرة تداني أو تماثل فرحة ميلاد طفل جديد يطل على الوجود يملأ قلبي أبويه هناءً وأماناً، وسعادة طاغية.. ويشيع في الدنيا كلها الأمل والحياة والاستمرار والتجدد والدوام؟ أعتقد ليس هناك فرحة ومسرّة تضاهي لحظة كوننا نشعر أننا يمكن أن نتغلب على عوالم الفناء والانقراض والموت المسعور الذي يحاصر حياتنا ويكاد يحيل نادي حياتنا إلى قبور جماعية ورموس وجبّانات مترامية في كل ناحية من زوايا وديان حياتنا الإنسانية الرحبة.. إن كل مولود من بني الإنسان يقدم إلى ساحة حياتنا الدنيا يحمل معه بذور التجدد والبقاء إلى ما شاء الله والأمل والتفاعل والتفاؤل والحيوية التي تحقق مراد الله تعالى القيّوم الصانع الماهر الذي خلق كل شيء من عدم، وبدأ خلق الإنسان الأول آدم عليه السلام من طين صلصال لازب كالفخار، ثم صار من بعدها من نطفة ماء مهين يحفظها الله في قرار مكين، ثم يخلّقها في أطوار حتى تمامها قبل أن يُخرجها إلى الوجود نسمة «تامة» ونفساً مأمورة بتحقيق الاستخلاف في الأرض في إطار أبعاد ثقافية وحضارية ومدنية تلتقي بمقوماتها المادية والمعنوية والقيمية عند دائرة كبيرة، هي دائرة العبودية لله رب العالمين رب الخلق والعباد وجاعل الأسباب لتنتهي هذه الغاية إلى توازن الناموس الكوني في الشهود والآفاق وهو مراد الله تعالى. إن أشهر مولود في تاريخ الإنسانية كلها ملأ الدنيا هناء وبلسماً وشفاءً وإنقاذاً لها من الهاوية والتفاني والتماحي.. هو سيد ولد آدم الرسول الأكرم محمد بن عبد الله خاتم الرسل والأنبياء الذي بسم ثغرُ الكون يوم مولده في أم القرى.. وفي هذا يقول شوقي.. وُلد الهدى فالكائنات ضياء.. وفم الزمان تبسم وثناء إن التسبب في قدوم آدمي إلى الوجود من أشرف صور الاستخلاف وأنفع الأعمال الصالحات التي يتقرب بها إلى الله تعالى، لأنها تحقق دعوة القرآن الصريحة الداعية إلى تعدد الزوجات وهي الروابط الشرعية الوحيدة التي تحقق مراد الله في الزيادة والنمو والكثرة لتحمل أمانة الاستخلاف التي نفرت منها الجبال على شدتها والسموات والأرض وانبرى لها الإنسان وحمل لواءها. وتحقق أرفع درجات المتابعة لهدي سيد المرسلين الذي قال «تناسلوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة» إن البشرية اليوم أمام تحدٍ عويص شائك وخاصة الأمة الإسلامية بعد أن استحر القتل والفناء والموت نتيجة الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين وظاهرة السنامي والحروب والمجاعات والأسقام والأمراض الفتاكة التي تحصد مئات البشر على رأس كل ثانية وجزء من الثانية، هذا التحدي يحتم علينا أن نحاصر العادات والتقاليد والأعراف وبعض المواقف الاجتماعية الضارة، ونقف صفاً واحداً نساءً ورجالاً لنعلن على رؤوس الأشهاد بحتمية تفعيل قضية تعدد الزوجات مثنى وثلاث ورباع وهي الأصل المطلوب اليوم، وسواها فرع عنه، وضرورة فقه الزمان والمكان تمليها وتحث عليها الأحداث. إن التدافع والتنافس نحو زيادة أعداد الأمة عبر الروابط الشرعية التي أقرها الإسلام تحقق أهداف الأمة ومقاصدها في نواحٍ اقتصادية وحضارية وسياسية وثقافية تعز الأمة وترفع من شأنها، وعندها يتحقق لها الشهود الحضاري على الأمم في الأولى والآخرة. إن مجيء الإنسان إلى الوجود ساعة ميلاده، وإن صاحبته المشقة والمكابدة والعنت إلاّ أنها تمثل أجمل رحلة نحو غاية حميدة، وليس عاقبة كارثية كما صورها الشاعر أبو العلاء المعريّ صاحب نظرية تجريم الأبوة الذي يرى أن أبواه قد أجرما في حقه حين قذفا به إلى الوجود ليقابل كل هذه المشقة «لقد خلقنا الإنسان في كبد» ولذا أنشأ يقول: هذا ما جناه عليّ أبي.. وما جنيتُ على أحد وأصر أن يكتب بيته الشعري هذا على قبره بعد موته كما جاء عنه في رواية. إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي تزوج وعدّد وأنجب هو من قال «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» ذلك لأن هذا الأمر يحقق مطالب ومطامح ونزعات فطرية جذّرها الله تعالى في النفس البشرية سجية وخلقة.. منها الميول نحو تحقق الأبوة على البنوة.. ومنها النزعة نحو المودة والرحمة والسكون المركوز في الشق الآخر.. ومنها تحقيق الأنس والطمأنينة ومنها السعي نحو المشاركة في هموم الحياة بالتعاون والتشارك والتحاور والتفاكر والمناقشة واختيار أفضل البدائل لمواجهة أعباء الحياة وصوارمها.. ومنها تحقيق عبودية الله لتجاوز جسر الحياة الدنيّة إلى الحياة العليّة في جنات الخلد ودار المقامة حيث الظلال والقصور والأنهر العذبة. وهذه قطرات وشذرات من محيط حياة لُجيّ وسر حياة يصعب كشفه والإحاطة به فلكل إنسان رؤية ومزاج ووجدان وفكر وشعور يختلف عن الآخر. إن الفقر والعوز والضغوط الاقتصادية والاجتماعية ينبغي ألاّ تكون حاجزًا أمام حركة الشباب الدؤوبة نحو الزواج وكذلك حركة المتزوجين نحو التعدد، ذلك لأن الأرزاق بيد الله عز وجل وحده، كم من زواج كان فتحاً مبيناً لصاحبه بعد حرمان وفاقة.. وهناك وعد مقطوع من الله ببسط الرزق والغنى ومن أصدق من الله قيلاً قال تعالى «وانكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم»، وهناك بشارة عظيمة من رسولنا الكريم الداعي الأول إلى الزواج والإكثار من التناسل يقول فيها: (ثلاثة حقاً على الله عونهم المجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف) قِف بيقين تأمل هذه البشارة وما فيها من تأكيد وعزيمة تبدد المخاوف وتجعل الأمر غايته سامية يتسابق إليها الناس بهمة دون وجل وتردد. إن الإسلام في سبيل ترسيخ هذه المبادئ لتكون جزءًا من عقيدة المسلم أقر هذه البشريات، وفي المقابل منع كل أنواع الأفعال والسلوك الذي يحول دون تحقيق هذه الغايات، حيث حرّم التحديد في النسل كأن يكتفي الشخص بولد واحد أو اثنين كما هو الحال عند بعض الناس خوف الفقر والمسؤوليات ومنع التنظيم الوضعي وفق أهواء الناس ما لم تكن هناك ضرورة تقره، ذلك لأن القرآن الكريم وضع نموذجاً صالحاً لهذا التنظيم هو المعتمد عند المسلم قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) سورة الأحقاف «51» .. وقال تعالى «حمله وفصاله في عامين». وحرّم الإسلام عمليات الإجهاض وموانع الحمل كالعقاقير الطبية والشعبية وعمليات استئصال الرحم عند النساء والخصاء عند الرجال التي من آثارها أنها تقطع النسل وتسبب العقم الدائم وتلك جريمة تتعارض مع دعوة الإسلام التي تنشد الكثرة والتناسل والتوالد لذاتها، وتلبي أهداف أعداء الإسلام في حربهم الخفية من خلال هذه القضية الخطيرة ولذا كان هدف الإسلام حماية حق الحياة للإنسان «إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت»؟ «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم» نقول هذا الكلام لأننا نعلم يقيناً أن هناك عمليات اعتداء على حق حياة الإنسان ليس الذي خرج ومشى ونطق، ولكن للأسف هناك عمليات اعتداء على الأجنة داخل بطون أمهاتهم من خلال العمليات التي ذكرناها وغيرها. دواعي هذا المقال فرحة عارمة غمرتني حين علمت أن مستشفى أم درمان للولادة أكبر مستشفى في العالم من حيث معدل الولادة فيه يأتي بعده مستشفى في جنوب إفريقيا في المركز الثاني على مستوى العالم يليهما مستشفى ثالث في ملاوي. مستشفى الولادة بأم درمان الآن يتم تأهيله بصورة مثلى كما أكد ذلك وزير الصحة بولاية الخرطوم البروفيسور مأمون حميدة، هذا المستشفى تم إنشاؤه سنة 7591م وهو امتداد لمدرسة القابلات التي أُنشئت منذ عام 1291م أو ما عُرف بمستشفى الدايات، وبهذه المناسبة الجميلة دعونا نقف في هذه المحطة وقفة إجلال وإكبار لنحيي الدايات الرسميات ودايات الحبل على امتداد بلادنا واحدة واحدة لعطائهنّ الثر في إنقاذ المواليد والأجنة بعد عون الله عز وجل ونؤكد لهنّ أن أجرهنَّ عند الله عظيم وهذا العمل يكون عبادة لله إذا صلحت النية وتوفر الإخلاص والأمانة والصدق فيه. مستشفى أم درمان للولادة صار في المركز الأول في العالم لأنه في كل عشر دقائق تحدث فيه عملية ولادة جديدة ويستهل ابن من أبناء الإسلام والسودان حياته صارخاً فيه نحو دورة حياة جديدة.. وقد بلغ عدد المواليد فيه سنة 1102م أكثر من ثلاثين ألف مولود.. الله أكبر.. إنه مستشفى أم درمان للولادة الولود نأمل أن يكون ودودًا ونحيي من هنا مديره العام وفريق الأطباء والنواب والسسترات والموظفين والعاملين و (مامات الدايات) وكل من له صلة به إذا كان العمر الطبيعي للإنسان داخل بطن أمه أربعين أسبوعاً ثم يخرج للوجود من هذه الحاضنة العظيمة وهذا القرار الآمن المكين فإن مستشفى الولادة يمثل حاضنة ثانية للأطفال حديثي الولادة يسهر العاملون فيه لأجل بداية حياة آمنة وصحية ومستقرة لهؤلاء الأطفال وأمهاتهم.. هؤلاء المواليد.. كثَّر الله عددهم .. هم عماد أمتنا وحضارتنا ورافعو لوائها بين الأمم.. فنأمل من وزارة الصحة بولاية الخرطوم بقيادة الوزير الهمام البروفيسور مأمون حميدة أن يجد هذا المستشفى أعلى درجات الرعاية والاهتمام.. ونهيب بالخيرين أن يهبُّوا لدعمه والارتقاء به إنه فخر لنا وخزي لبني صهيون والله أكبر كلما رمونا ركّبنا في القناة سهماً.