ان من اكثر المظاهر السالبة غير المرئية في عمليات التبديل والتنقل والدمج في التشكيلات الوزارية التي غالبًا ما تسبقها حالة انتظار وترقب.. ان كل الوزارات بل المؤسسات الحكومية تتأثر سلبًًا وتفقد ذاكرتها وهيبتها وتصاب بداء التخبط ويختل نظامها الداخلي والذي عادة ما يتعرض لأشكال وانواع عديدة من التجريب والتنظير والحذف والإضافة ومن ثم تتلاشى داخل كل وزارة او مؤسسة فرصة اقرار استراتيجية بعيدة المدى او متوسطة المدى ذلك ان القادم الجديد من الوزراء ربما انه يدرك تمامًا ان اجله الذي سيقضيه في هذا المنصب لا يمكنه من التفكير حتى في المستقبل القريب وبالتالي ليس مطالبًا بوضع رؤيته المستقبلية فتحدث حالة من الارتجال وصدور القرارات «الأزمة». ولعل الطامة الكبرى التي تقود هذه الوزارات إلى فقدان ذاكرتها أن القادمين إليها من الوزراء و«الكمبارس» يبدأون مشوارهم مع الوزارة ليس من حيث انتهى الآخرون وانما تحدث حالة اشبه «بكنس» الآثار ثم تكون البداية على انقاض السابقين وهذا يعني في المفهوم الاداري والاستراتيجي ان هذه الوزارة عليها ان تتخذ خطوات جديدة ليست بعيدة عن خطوات التأسيس وبذلك تتعطل كل المشروعات والمهام والمسوؤليات التي على اساسها تاسست الوزارة او المؤسسة المعنية. والناظر الى القضية هذه والمتمعن في مسيرة التشكيلات الوزارية في حقبة الانقاذ يلحظ ان قيمة المنصب لا تتكافأ والشخص المراد تنصيبه وفي اغلب الظروف التي تقود لتولي الحقائب الوزارية هو ان قيمة المعيار القبيلة والتوازن السياسي اكبر واقوى من اي معيار آخر، وعبر هذه النظرية تشكلت الوزارات وتفرخت مناصب اخرى فرعية لاستيعاب الكمبارس القادم مع الرجل الاول في الوزارة او المؤسسة الحكومية ذلك لأن الذي يحدث في الوزارات هو ذات الشيء الذي يحدث في مؤسسات الدولة الاخرى وهذه ظاهرة لا يمكن انكارها فجماعة الوزير من اهله وعشيرته ورفاق دربه وحتى الاقارب والجيران لهم النصيب الاوفر في حيازة المواقع الوظيفية خصوصًا إن كان هؤلاء من اصحاب الالتزام السياسي.. ولكن قبل ان يهنأ هؤلاء بمواقعهم الجديدة وقبل ان تبدأ الوزارة اولى خطواتها تجاه انفاذ مشروعاتها او مهامها تجاه من تستهدفهم بخدماتها يأتيها الطوفان من حيث تدري ولا تدري فيذهب المسؤول الأول وجماعته ولكنهم بالطبع لن يذهبوا الى الشارع العريض طالما ان الشراكة السياسية قائمة ومتجذرة وستبحث لهم الدولة عن مواقع أخرى وهكذا يستمر نزف ذاكرة الوزارة وتفقد استراتيجيتها وتتعطل مشروعاتها.. تلك هي احدى مفجعات نظامنا الاداري وتلك هي الآثار التي لا تراها الدولة في مؤسساتها الحكومية اصبحت تدير امرها بلا ذاكرة ولا مرجعية ولا حتى استراتيجة لأن هذه المؤسسات فقدت اهم قيمة للبناء والتطوير هي قيمة الاستقرار الوزاري فالامر اذن يحتاج الى معالجات منطقية وعلمية بعيدًا عن الموازين الأخرى خاصة ان هناك وزارات لا تتحمل العمليات الجراحية المتكررة ولا الحذف او التبديل وانما تحتاج الى اجواء ادارية مستقرة تنتعش فيها الأفكار التطورية وتتعمق فيها التجارب.