على وقع مرافعات حزبية ساخنة أقطابها مريم الصادق المهدي عن الأمة القومي وربيع عبد العاطي عن المؤتمر الوطني وأبوبكر عبد الرازق عن المؤتمر الشعبي، حاصرتها أسئلة الصحفيين التي تجاوزت في بعضها إلى التداول حول أزمة وطن وصحافة.. جرى التداول السياسي في صالون الراحل سيد أحمد خليفة حول قضية «السودان إلى أين».. د. ربيع تحدث عن الأهمية الملحة لتبادل الأفكار على مستوى الاقتصاد والسياسة للوصول إلى معادلة تقود البلاد للأهداف المرجوة.. ونفى بشدة وجود أي تشابه بين التظاهرات التي شهدتها البلاد أخيرًا والتي وصفها بالمحدودة بظاهرة الربيع العربي، وقال: المقارنة غير واردة، ولما كانت تصريحات ربيع الأخيرة بفضائية الجزيرة عن أن دخل الفرد في البلاد يساوي «1800» دولار أثارت جدلاً إعلاميًا أشار إلى أن حديثه معني بمتوسط الدخل السنوي للفرد وهو عبارة عن ناتج قسمة الدخل القومي على عدد السكان والتعريف العلمي هذا غير مقصود منه الراتب الشهري.. وبدوره جدد عبد الرازق عزم حزبه على السعي لتغيير النظام الحاكم الذي تتمثل أولى أزماته في افتقاده للمنهج الذي يوحد بين الباطن والظاهر وبين الشكل والموضوع، فحكومة الوطني لا تتعاطى مع عالم الأفكار وعلاقته بعالم الأشياء إنما بالبحث عن الذات من خلال السلطة، وقال إن المؤشرات الدالة على التغيير هي افتقاد الحكومة للمصداقية، وأجمل عدة سيناريوهات للتغيير منها أن تغزو الجبهة الثورية العاصمة على غرار ما فعلت العدل والمساواة سابقًا وأن يحدث انقلاب عسكري أو أن توافق الحكومة على اقتراح المعارضة القاضي بتشكيل حكومة انتقالية تمهيدًا لإعداد الدستور وتنظيم انتخابات نزيهة وهذا أمر مستبعد، أما مريم فقد بدت أكثر عقلانية في سعيها لمحاولة قراءة الوضع الراهن للبلاد، والمآلات التي ستنتهي إليها البلاد متى ما استمر الحال على ما هو عليه الآن أو تواضع الجميع على الاتفاق على الخروج بالبلاد إلى بر الأمان، مريم وصفت الأوضاع الراهنة بالخطيرة، وقالت إن المقارنة بين اليوم والأمس غير مجدية وخلصت إلى أنه بالرغم من التعقيدات الراهنة إلا أنه إلى جانب نقاط الضعف توجد نقاط قوة وأن المهدِّدات تصاحبها فرص ولم تتعجب مريم من كون السودان بلد مستهدف بالمؤامرات نظرًا لأهميته المتمثلة في كونه قطرًا مفتاحيًا لإفريقيا والعالم العربي، وعن مراكز القوة التي عولت عليها من الناحية المادية الموارد الاقتصادية الهائلة التي تزخر بها البلاد وفي الجانب الأدبي أشارت لما أسمته «رأس المال الاجتماعي» بدليل هذا الاجتماع، أما نقاط الضعف فتتمثل في عدم إفساح المجال للعمل السلمي وأن الأسلوب الوحيد المعترف به من قبل الحكومة هو العنف، وقالت إننا أمام طريقين هما الاعتراف من قبل الحزب الحاكم بالفشل في إدارة البلاد ومن ثم التواضع مع الآخرين للخروج باتفاق مشترك أو اللجوء لخيار العنف الذي يمثله السلاح المتوافر بيد المليشيات المختلفة.. في ردودهم على الأسئلة المطروحة قال ربيع إن لكلٍّ وزنه السياسي ولكن لا أحد يزن الثقل السياسي للمؤتمر الوطني، وعاب على المعارضة ما أسماه «إهانة الشعب السوداني» بقوله إن هتافات المعارضة وصفت الشعب بالجبن بقولها «الشعب جعان لكن جبان» عبد الرازق قال إن نهجهم في إطاحة النظام هو الثورة السلمية ينحاز لها الجيش وأضاف: نحن اتصلنا بالحركات المسلحة وأطلعانهم على خيارنا السلمي وقلنا لهم إذا كان خياركم هو السلاح فكل يعمل على طريقته ولكن متى ما نجحت الثورة السلمية عليكم بإلقاء السلاح وفي توضحيها لمسألة وجود شقيقها بالقصر الجمهوري قالت مريم: اسألوا عبد الرحمن لماذا ذهب واسألوا الوطني لماذا قبل به كفرد وشددت على أن حزبها حزب معارض على نحو يحفظ تماسك البلد وليس دفاعًا عن الوطني. صالون الأمس بدا مغايرًا إلى حد كبير فربيع الذي تعرض لأسئلة حادة عن حقيقة تمثيله للوطني الذي رد عليه بقوله «يكفي سحب التصريح من الصحف» رغم تماسكه وشجاعته إلا أنه بدا كمن كُسر في داخله شيء ما، أما مريم فقد تراءى لي أثناء حديثها أنها توشك على الإجهاش بالبكاء كما أن انتساب شقيقها للقصر صار وكأنه شكّل عقدة للحزب على وقع الاحتفال بذكرى الفنان الراحل سيد خليفة عبر أنشودة «يا وطني يا بلد أحبابي.. في وجودي أحبك وغيابي» انفضّ الصالون ونحن في حضرة وطن رغم جراحاته يشعرك بشموخه وكبريائه.