في اللقاء الحاشد الذي جمع قيادات المسيرية ودينكا نقوك بالخرطوم مؤخرا، كانت الأنظار كلها تتجه نحو الخلفية التي تقف وراء المنصة التي كان يجلس فيها قيادات أبيي وهم زكريا اتيم المشرف السياسي لابيي والخير الفهيم ممثل الحكومة في التفاوض حول المنطقة وكتب عليها( ابيي الوضع الراهن والمستقبل ) أضيف اليها شعار آخر يقول التعايش السلمي والتمازج بين المسيرية ودينكا نقوك. ولعل الحضور من قيادات المسيرية الذين توافدوا في اللقاء كانوا يمنون أنفسهم بالمستقبل والخروج برؤية موحدة للدفع بها في الاجتماعات مع دولة الجنوب. ولكن حرارة المسيرية واستعجال النتائج دفع ببعض الشباب أن يخرج غاضبا من إلاجتماع بعد أن يئس من إيجاد حل لمشكلته، وربما القضية التي يجملها زكريا أتيم بأن الخطأ الذي اصاب القضية، في أن دولة الجنوب استطاعت كسب أبناء أبيي في الحركة الشعبية، واصبحوا جزءا من مفاصل الحكومة التي تأمر وتنهى، وربما هذا الفهم يطابق ماذهبت اليه قيادات المؤتمر الوطني الذين يرون أن السبب الرئيس لعدم الوصول إلى حل مع دولة الجنوب بشأن منطقة ابيي هم أبناء دينكا نقوك الذين اصبحوا جزءا مؤثرا في إتخاذ القرار بدولة الجنوب. ورغم اقرار زكريا اتيم بتبعية أبيي الى السودان إلا انه وجد صعوبة في أن يقول كيف يتم الوصول إلى الحل، ولذلك دعا إلى أهمية التعايش بين القبيلتين، ودون تحقيق أي أسباب، ولكن القضية كما يراها آخرون ليست في التعايش السلمي، وإنما في كيفية تحديد تبعيتها لأي من الطرفين، وهو الأمر الذي دفع بالقيادي المسيري محمد عمر الأنصاري الى الدعوة لمنح الجنسية المزدوجة الى المسيرية ودينكا نقوك وذهب الى أبعد من ذلك عندما تحدث معي بأنه يقترح تكوين ولاية مشتركة بين الدولتين لتجاوز أزمة المنطقة. ولعل الإقتراح الأول يبرر من جانب الحكومة بأنه يفتح الباب، ربما في الوقت الحالي، إلى هزيمة القرارات السيادية، وإعلان حالة الطواريء على الحدود لمنع تسرب أي مواد الى الجنوب . ورغم أن الخير الفهيم تحدث في اللقاء بأن القضية المتنازعة عليها، كانت بسبب التدخلات الأجنبية وتدويل القضية ،فان الوضع على الأرض يتباكى عليه أهلها. فهم بين مطرقة دولة الجنوب وسندان الحكومة. ويقول الفهيم إن المسيرية خلال ( 60 ) عاما الماضية عاشوا في سلام ولم تحصل اية مشكلة. واشار الى نقطة مهمة في القضية بأن الناظر كوال روك زعيم دينكا نقوك رفض قانون المناطق المقفولة، حتى لا يمنع التواصل التاريخي بين القبيلتين وباعتبار أن نقوك جزء آصيل من منطقة المسيرية. ولعل انتظار الفترة الطويلة الذي امتدت منذ ان تفجرت الاوضاع لأول مرة العام 1965 والتي تم حلها بالوسائل السلمية والتقليدية، مرورا باتفاقية (أديس أبابا 72) والتي لم تحل المشكلة حتى الآن دون وجود اي حل مقنع للطرفين، دفع بالعديد من القيادات التي تحدثت بشكل عنيف في اللقاء محذرين الحكومة عدم التفريط في المنطقة وضرورة الإهتمام بها بصورة كاملة . وربما مأخذ الخوف من فقدان المنطقة والانتماء الى الشمال هو التأثير الكبير، وهيمنة أبناء نقوك على الحركة الشعبية بدولة الجنوب ويقول الخير الفهيم ( إن أبناء نقوك اصبح صوتهم عاليا، وهم وراء برتكول المنطقة الذي يدعو الى تهميش مجتمع المسيرية). ويضيف أن البرتكول تفوح منه رائحة العنصرية وهي كما يصفها ( بالرائحة الكريهة والنتنة ) ولم تحل المشكلة وتساءل بدوره محمد عمر الأنصاري في اللقاء، في حال فشل التفاوض ماهو البديل ؟ واذا تم الإتفاق على الاستفتاء هل تم الإستعداد له ؟ والأنصاري نفسه شدد على ضرورة وضع خطة لمواجهة كل الاحتمالات لجهة عدم وجود أي خيار آخر أو خطة بديلة. بيد انه دفع بخيار ثالث بآن تصبح المناطق شمال بحر العرب تتبع لحكومة السودان، وأن يصبح جنوب البحر يتبع لدولة الجنوب، على أن تنح القبيلتان، هنا وهناك الجنسية المزدوجة، وتصبح أبيي منطقة وجسرا للتواصل بين السودان ودولة الجنوب. وقفز الأنصاري في طرحه عندما دعا الى الاستفادة من النموذج السويسري في حل أزمة المنطقة، وذلك بتكوين ولاية مشتركة بين الدولتين. إن تشبية الوضع في منطقة ابيي بأنه خطير، واحدة من وسائل الإنذار المبكر التي يطلقها أبناء المنطقة لإيجاد حل للأزمة باعتبار أن ( الجمرة تحرق الواطيها ). ولعل ذلك ما دفع بأحد أبناء المنطقة أن يطلق تحذيرا بأن الوضع لايحتمل ،ولا يمكن المجاملة فيه. ويقول جون زكريا إن ضم أبيي للجنوب إنهزام لسياسات المؤتمر الوطني . إذاً الى أي مدى يمكن البكاء على اللبن المسكوب، وكيف يدافع أهل ابيي عن منطقتهم، وهل كما يرى البعض ان (أهل مكة ادرى بشعابها ). إنها قضية لا يمكن فصلها عما يجري في السودان من أحداث وقضايا، تتقاطع فيها المصالح السياسية. فالسؤال المطروح: هل يستطيع الخير الفهيم تجاوز عقبة أبيي إلى بر الأمان ؟