أنت لا تفتأ تُصدم في شوارع الخرطوم برؤية الكاسيات العاريات.. في كل مكتب حكومي.. أو غير حكومي.. في المواصلات.. في القنوات.. في الطرقات.. وحدث ولا حرج عن المناسبات.. حيثما ذهبت تجد التبرج أمام ناظريك.. وهو تبرج قبيح.. ويثير الناظرين.. من الثورة مرة.. ومن الإثارة مرات.. وإياك أن تصدق أن الناس لا يلتفتون إلى هؤلاء المتبرجات.. إنهم يلتفتون .. ظاهراً وباطناً.. سراً وجهراً.. بعضهم يلتفتون دون القول.. وبعضهم يلتفتون دون الفعل.. وبعضهم يلتفتون ثائرين.. وبعضهم غاضبين.. وبعضهم يلجأون إلى الدعاء.. والذكر.. وقليل منهم يستمطرون اللعنات.. على الأسباب.. والمسببات.. والقليل من اللعنات كثير.. والكثير منها غير مطلوب وغير مرغوب. ولكن الذين لا يلتفتون حقاً.. ولا يأبهون .. ولا يراودك أدنى إحساس أنهم يستشعرون شيئاً.. وأنا أقول «شيئاً».. ولا أقول يستشعرون «فداحة المصيبة» لأنهم لو استشعروا أنها مصيبة ثم لم يحركوا ساكناً لكان ذلك في ميزان حسناتهم. ولكنهم لا يستشعرون ولكن رغم ذلك فهناك خطب فادح.. والخطب على قدر علمي المتواضع أعظم من المصيبة. الخطب أنك كل يوم وفي كل مكان.. وفي كل شارع تجد أمرأة شابة لا تكاد ترتدي شيئاً من الثياب وهي فوق ذلك تدل على الخلق بمحاسنها ومفاتنها التي لا تحسب في قائمة المحاسن والمفاتن إلا من باب البيولوجيا.. ومن باب الالتزام بالتوجيه الشرعي.. الذي لا يفرق بين امرأة عطل من الجمال وامرأة فتنة. الخطب هو أن هذه المرأة تمشي مشيتها هذه باطمئنانها ذاك.. ولا تحس أبداً بأنها تمشي في شوارع عاصمة يلتزم حكامها ومحكوموها بشرع الله وبالحجاب. وفي واقع الأمر لما أرى واحدة من هؤلاء وما أكثرهنّ لا يخطر ببالي إلا سؤال واحد.. وهو ذات السؤال الذي لا يخطر ببال الكاسية العارية.. أسأل نفسي يا ترى هل يتذكر أهل الإنقاذ.. أن الخرطوم تسود فيها قوانين الشريعة.. وأن العادات والعبادات والمعاملات يجب أن تجري وفق الميزان الشرعي.. وأسأل نفسي: هل يرى أهل الإنقاذ الذين هم ليسوا بأهلها من الجالسين على المقاعد الوثيرة والممتطين صهوات الفارهات التي لا أستطيع أن أنطق اسم واحدة منها.. هل يرون مثل هذه المناظر في الطرقات؟ هل تتاح لهم الفرصة لرؤيتها؟ هل تتحقق عندهم شروط الرؤية التي تتوفر عند عامة أهل السودان من أنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق؟ إن أهل الإنقاذ الذين هم ليسوا بأهلها لا يأكلون الطعام ولا يمشون في الأسواق لا أذكر أنني في العشر سنوات الماضية قد رأيت أحدهم يأكل طعامًا أو يمشي في سوق.. وهب أنهم رغم أنهم لا يأكلون الطعام ولا يمشون في الأسواق قد حصل أن رأى أحدهم ما رأيت أنا بالأمس ودفعني إلى كتابة هذه «المناحة» هل يا ترى سوف يغضبون؟ هل سينفعلون؟ هل سوف يتأزمون؟ هل يتمعّر وجههم من الغضب؟ هل يوقف أحدهم سيارته الفارهة.. وينزل إلى الحدث.. ويقوم فيه بوظيفة المحتسب؟ حتى ولو كانت وظيفة المحتسب المتطوع؟ فنحن لا نحلم بوظيفة المحتسب السلطاني لأن أهل الإنقاذ الذين ليسوا هم بأهلها حولوا وظيفة المحتسب السلطاني إلى محتسب إداري.. مجرد امبودسمان أو المفوض البرلماني» في بعض الترجمات وهو عندنا متعلق بتنظيمات الموظفين.. وعندهم في السويد وفي دول الشمال الأوربي متعلق بحقوق الإنسان ولا شأن له بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ولكن للأسف فإن الامبودسمان السوداني لا يستطيع أن يضطلع بدوره على الوجه الأكمل. إن المحتسب السوداني لا يهمه ما إذا كانت هذه الفتاة أو تلك ترتدي «بودي» أو «محزقًا» «و قصيراً» أو تسدل شعرها أو خصلاتها.. أو تنثني .. أو تتلوّى.. أو .. أو... لأن المحتسب السوداني ليس محتسباً من صنع الشريعة.. أو هو ليس محتسباً مقولباً على أساس الشريعة وأحكامها وما تريده وما لا تريده. إنه محتسب «مقولب» علمانياً.. وديمقراطياً.. وإنقاذياً.. ان القالب الذهني للمحتسب السوداني «Meutal sel» هو قالب براجماتي.. ميكافيلي.. نفعي.. دستوري. لذلك فإن الإصلاح .. أو الحسبة.. أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحيل في عهد الإنقاذ.. أو في عهد القالب الذهني الذي تعيشه الإنقاذ.. من أجل الإصلاح. لا بد من تغيير القالب الذهني الذي تعيشه الإنقاذ أو نعيشه نحن!!