تخطئ الحكومة عندما تتصور أنها بدأت تخطو نحو حل قضية ولايتي جنوب كردفان النيل الأزرق التي بدأت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا منذ يوم الجمعة الماضي، فالمفاوضات ليست سوى اعتراف بقطاع الشمال في الحركة الشعبية ولا علاقة لها بالحل الشامل المطلوب للولايتين، والسبب بسيط للغاية.. وهو أن من تفاوضهم الحكومة اليوم في هذه الجولة لا علاقة لهم بالمنطقتين ولا بقضايا أهلها، فعرمان ووليد حامد اللذان يقودان المفاوضات مع وفد الحكومة، لا يمثلان النيل الأزرق وجنوب كردفان، وظلت الحركة الشعبية بصفتها تنظيماً سياسياً وعسكرياً منذ سنوات الحرب وخلال مفاوضات نيفاشا مروراً بالفترة الانتقالية تدعي تمثيل قبائل النوبة في جنوب كردفان، وتزعم بوجود مالك عقار في صفوفها أنها المفوض والمتحدث الوحيد باسم هؤلاء. وكان من الأوفق للحكومة أن تصر على مناقشة قضايا المنطقتين بوفدين يمثلان أصحاب المصلحة الحقيقية وليس بسارقي تمثيلهم. وخطورة هذه الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة تكمن في إعطائها عرمان ووليد حامد وعبد العزيز الحلو شرعية وعلاقة بالنوبة ومناطق الأنقسنا والقمز وغيرها من قبائل النيل الأزرق، وبهذا تجعل التفاوض كله مجرد إصباغ مشروعية على الحركة الشعبية لتطل برأسها من جديد في بلادنا بعد أن ظننا أن ذلك العهد قد ولي وراح. ومن عجب أن الحكومة التي وافقت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2046» هي سيدة العارفين أن القرار صمم في الأساس بغرض إعادة زرع الحركة الشعبية مرة أخرى في تربة بلادنا التي لم تنبت ولن تنبت فيها مهما فعلوا. وهذه الخطوة المتعجلة لها كلفة سياسية عالية وثمن باهظ إن تم الاتفاق، لأنها في المقام الأول لن تحل قضية التوترات والاحتقان السياسي وتحقق الرضاء لأبناء النوبة في جنوب كردفان، ولن تعود بالسلام على النيل الأزرق، وستستغل الحركة الشعبية في دولة الجنوب شرعية عملائها السياسية في السودان لدعمهم والتنسيق معهم، لأن ولاءهم لها وليس للسودان، ليكونوا شوكة حوت في حلق السودان. والأدهى والأمر أن الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب كما قال رئيس وفدها المفاوض مع الحكومة حول القضايا الخلافية باقان أموم لرئيس وفدنا في مفاوضات اللجنة السياسية الأمنية عبد الرحيم محمد حسين: «قطاع الشمال جزء من الحركة الشعبية ولن نتخلى عنه وسنقف معه». والغريب والمفجع أن وزير الدفاع رد عليه رداً لا يشبه حقيقة الموقف بقوله: «نحن نقدِّر ذلك»!! إذا كانت الحكومة قد سارت على هذا الطريق الوعر فعليها أن تكون صريحة وواضحة، وتعترف بأنها تريد التوصل لاتفاق مع قطاع الشمال والقبول به شريكاً سياسياً على مظنة أنها بذلك تكون قد طبقت قرار مجلس الأمن الدولي بحذافيره، وحلت قضايا جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتخلصت من أهم فصائل الجبهة الثورية.. فإذا كان هذا هو فهم الحكومة المقسوم لها.. فعلى الدنيا السلام!!