لو قارنا العقوبات التي تفرضها أمريكا على الشعب السوداني وتلك التي يفرضها النظام على ذلك الشعب الجريح، لوجدنا أن العقوبات الأمريكية تأخذ المرتبة الثانية بينما تتربع تلك التي يفرضها النظام على المرتبة الأولى بلا منازع!! وبلغة الأولمبياد نجدها قد نالت الذهبية باقتدار ورضيت الأمريكية بالفضية، ولم يصفق من المتفرجين لهذه الزيادات «آسف العقوبات» سوى صنيعة أمريكا صندوق النقد ويا بشرى النظام بالثناء الأمريكي..!! حين أُعلن انفصال الجنوب، برزت تصريحات من مسؤولين كبار وعلى أعلى المستويات لتقول لنا إن إنتاجنا من البترول يكفي حاجة البلاد فلا داعي للقلق. صدقنا المقولة لأننا لا نعرف أكثر من الحيكومة «على رأي عادل إمام» وقد اطمأنت النفوس ألا زيادة في أسعار المحروقات، وكان اطمئنانا في مكانه لسبب واحد وهو أننا دولة منتجة للبترول وطالما الدولة منتجة فلا داعي للدعم إذ لا يستقيم عقلاً أن تدعم دولة إنتاجها، قد تضطر الدولة في حالة البترول بالذات ان هبطت أسعاره أن تزيد من إنتاجها حفاظاً على مدخولها من العملات الصعبة، في الوقت الحاضر لا تهبط أسعار البترول لدرجات مخيفة، بل بعكس ذلك ترتفع الأسعار، وإذا انخفضت فإن الانخفاض يكون بضعة سنتات لا تؤثر كثيراً بالدرجة التي تخلق أزمة اقتصادية والأزمة الاقتصادية ما خلقها إلا الاعتماد كلياً على البترول، أُهملت الزراعة وهي البترول الحقيقي والدائم، واهملت برامج حصاد المياه والتي يمكن حصاد خمسين مليار متر مكعب منها سنوياً للزراعة والمرعى الذي ينتج الثروة الحيوانية والتي هي أيضاً بترول دائم لا ينضب!! كل هذا يهون إلا تلك العقوبات الكهربائية التي فرضت على المواطن، وقد أعلنوا لنا أن الكهرباء المولدة مائياً تعادل «38%» «71%» فقط تولد توليداً حرارياً، لماذا العقوبات إذن، وحسب تصريح لوزير المالية الأسبق الزبير محمد الحسن فإن برامج الكهرباء الحرارية والمائية كلفت خزينة البلاد ستة مليارات دولار مناصفة، تكلفة الميقاواط في أعلى حالاتها تصل إلى مليون دولار وقد انخفضت كثيراً الآن، ولكن لنفترض أنها مليون دولار يعني المفروض أن يساوي إنتاج الكهرباء ستة آلاف ميقاواط، كم ينتج السودان اليوم وكم استهلاكه الحقيقي من الكهرباء؟! أسئلة ليست لدي الإجابة عليها فقط نجد الإجابة عند الوزارة المختصة فهلا تكرمت بالإجابة!! أن تكون مهندساً فهذه مصيبة كبرى في بلادنا لاحظت في سفرة قصيرة لمدينة عطبرة أن التيار ضعيف مائة وسبعين ڤولت في حين يفترض أن يكون مائتين وعشرين هذا يعني أن فاقد الشبكة قارب الثلاثين في المائة والمنزل لا يبعد عن المحطة مسافة لا تزيد عن الكيلومتر، هذا يعني أنني مضطر لشراء كهرباء تزيد عن حاجتي بمقدار فاقد الشبكة أي ثلاثين في المائة، فكيف يا ترى حال أولئك الذين يتعدون عشرات الكيلومترات عن المركز؟! هذه من العقوبات غير المرئية أي عقوبات غير مباشرة يدفع فيها المواطن الفاقد في الشبكة دون أن يكون له فيه ذنب، كما يدفع عقوبات مباشرة تتمثل في الأجهزة الكهربائية التي ينقص عمرها بدرجة مهولة بنقصان التيار اللازم لتشغيلها، لذلك نجد الأجهزة الكهربائية تغمر السوق وهي الأكثر مبيعاً والأغلى ثمناً!! من الغريب الصور المعكوسة لاستخدام الكهرباء فالقطاع السكني هو الأكثر استخداماً للكهرباء وبنسبة سبعة وأربعين في المائة، أما القطاع الصناعي فبالكاد يصل إلى سبعة في المائة، صورة كئيبة تشير إن أشارت إلى حقيقة واحدة هي ألا تنمية في السودان ولا صناعة ولا يحزنون.. وهذه أرقام مدير شركة التوزيع!! مليون وثمانمائة ألف مشترك في كل السودان منهم حوالى النصف ثمنمائة وخمسين ألف في الخرطوم وحدها، والمشترك هنا يعني المنزل والمكتب والمصنع والمشروع الزراعي، وهؤلاء جميعاً إن قسناهم بعد سكان السودان لما تجازوا العشرة في المائة من السكان صرفت على مدهم بالكهرباء ستة مليارات دولار ورغم ذلك لا تكفي..!! سبعة عشرة في المائة فقط نسبة التوليد الحراري كما أعلن صرفت عليها ثلاثة مليارات دولار كم يكلف المقاواط الحراري..؟ وكم يكلف الميقاواط المولد مائياً هذه الأرقام معروفة في كل العالم ما عدا السودان فلا أحد يهتم بالكفاءة الإنتاجية الحرارية «ثيرمال إفشنسي» لذلك نجد أعمدة الدخان السام تملأ السماء بما تحمله من أكاسيد النتروجين والفسفور السامة والتي إن صعدت إلى طبقات الجو العليا هطلت علينا أمطاراً حمضية «وساء مطر النذرين» وحقاً نحن منذرون من وزارة الكهرباء وليس من أمريكا!! دراما التخفيض «وهو ليس تخفيضاً» بل عودة إلى الأسعار القديمة، كما اتخذت بقرار فردي في دولة تدعي المؤسسية جاءت هذه الدراما أيضاً فردية حيث تصدى لها النائب الأول وأزال غبن الجماهير، لا مجلس وطني ولا مجلس وزراء ولا رئاسة جمهورية، ولا يحزنون، أما الحزب المصنوع ونوابه المصنوعين فقد كانوا على دكة المتفرجين وقد صفقوا للقرار وحدهم دون غيرهم، وجاء تصفيقهم ليس للتخفيض كما يظن البعض بل كان تصفيقهم بسبب إزاحة الكابوس عنهم ولسان حالهم يقول «بركة الجات منك يا بيت الله»!! ولماذا يسري القرار من الأول من أغسطس هل لتنال وزارة الكهرباء إيرادات إضافية لا تستحقها؟! فإذا كان رفع التعريفة شرعياً فلماذا الإلغاء، وإن لم يكن شرعياً فعلى إدارة الكهرباء إعادة ما سلبته من المواطنين زوراً وجوراً!! وزارة الزراعة وجدت حلاً «حسب فهمها» لمسألة القطن فجاءت من أين لا أدري بالقطن المحور جينياً لتحل كل مشكلات السودان الزراعية والاقتصادية، واقترح على أهل الكهرباء أن يحذوا حذو وزارة الزراعة ويجروا أبحاثهم لتصنيع كهرباء محورة جينياً، فالقطن المحور جينياً لا يتأثر بالأمراض «حسب الزراعة» وأعتقد أن الكهرباء المحورة جينياً أيضاً لا تتأثر بأمراض فاقد الشبكة وكفاءة التوليد المتدنية!! اقتراح مجرد اقتراح.. ودمتم!!